عبد الملك قرة محمد
إنَّ الإعلام الحقيقي هو الذي يعمل على نشر الأخلاقيات والقيم، ويعتبر النهوض بوعي أفراد المجتمع هدفه الأول، لذلك فهو الأداة الأولى التي تعبر عن العدل والحرية، فتكون كتاباته وبرامجه ممتدة إلى الفئات المضطهدة في المجتمع، فيبحث في مشاكلها ويطرح الحلول المناسبة محاولاً التخلص من التمايز الطبقي، عندها يخرج الإعلام من الشعب ويعود إلى الشعب وتكون أهدافه منصبة على نهضة الشعوب وترسيخ دعائم الحضارة.
أمَّا الإعلام الذي يمجد مواقف الحكام، فهو سلاح كأي سلاح آخر يستخدمه الحاكم ضد شعبه، لا يفرقه عن غيره من الأسلحة سوى أنَّها تقتل جسداً، أمَّا الإعلام المضلِل يقتل ويشوه فكراً، لذلك فإنَّ دراسة التضليل الإعلامي يجب أن تكون جزءاً من وظائف الإعلام الحر لدوره في كشف الحقائق وتعرية الحكام والطغاة.
وفي هذه الفترة التي تمرُّ فيها المنطقة العربية بموجات ثورية تقودها الشعوب، اكتسب الإعلام دوراً أهم من خلال محاولة الجهات المتصارعة على دفة القيادة ترجيح رأيها مع تهميش الآراء الأخرى.
لذلك فإنَّ الإعلام الذي يلتزم بالضوابط المهنية والحياد الواعي مع ترجيح كفة الشعوب المنسحقة التي تنادي بحقوقها المستحَقة ويرسخ القيم والسلوكيات الاجتماعية هو بلا شك إعلام النهضة، فماهي خصائصه؟
إنَّ خصائص إعلام النهضة كما وردت في كتاب الإعلام والمجتمع هي ثلاث: خصائص جوهرية أولها الصدق، وهو ثلاثة أنواع: صدق الخبر وصدق الكلمة وصدق الحكم، ويعني أن يقوم الإعلامي بنقل الحقيقة دون أن يغير فيها شيئاً في حين إنَّ صدق الكلمة يعني نقل الكلمة دون تقصير في الاهتمام برصانتها وعدم توظيف الكلمة لتحقق أهداف خبيثة تغير الحقائق وتبث الأكاذيب، أمَّا صدق الحكم فهو تجنب التفسير الخاطئ للوقائع وعرضها بنزاهة واتخاذ موقف صادق من القبول أو الرفض.
أمَّا الخصيصة الثانية فهي الواقعية وتعني: التزام الإعلام بضوابط المهنة وعدم الخضوع للأهواء المنحرفة والبحث عن المصلحة المطلقة التي تصب في صالح المجتمع، لذلك فإنَّ الإعلام يؤثر ولا يثير.
فالإعلام ينقِب في أرجاء العالم باحثاً عن هموم أولئك المظلومين، معبراً عن قيم المحبة والتسامح، فيؤثر ويصل إلى فئات المجتمع كافة ولا يثير الشهوات بالصور الخليعة وغيرها من المشاهد أو المسامع غير المرغوب بها.
أمَّا الخصيصة الثالثة فهي في الاستمرار والمرونة والقدرة على تقصي الحقائق والأحداث فور حدوثها دون الثبات على موقف أو رأي وذلك من خلال البحث والتطوير والتجديد في الأفكار وطرق تناولها.
ويشهد الإعلام السوري تراجعاً ملحوظاً وفجوة عميقة في الضوابط المهنية يصعب سدها، ففي حين أصبح تلميع صورة بشار الأسد الملطخة بالدماء الهدف الإعلامي الأول لوسائل الإعلام التابعة للنظام، نجد الإعلام الثوري المنبثق من رحم معاناة السوريين يبحث عن مواضيعه في القشور البالية مبتعداً عن الجوهر مكتفياً في تناوله للأحداث على التوثيق المتمثل في الإحصائيات والأرقام والأفكار المبتذلة دون الخوض في هموم المجتمع السوري التي تسترعي اهتمام الإعلام ووسائله المسموعة والمرئية والمقروءة، لكن بالمقابل فإنَّ التجربة الإعلامية الثورية قيماً جديدة للإعلام ووضع بصمةً في سجلات الإعلام العالم بعد التضحيات الكثيرة التي أظهرها الإعلام السوري الثوري في نقل الحقائق وفضح مؤامرات الخائن.