خطٌ رفيع في أعمالنا يفصل بين حافتين اثنتين، إحداهما تشرف على نار وأُخرى تشرف على دار الخلود..
هو ليس بكلمة الإنسان قائلها، بل هو شعور وإيمان عميقان يجتاحان عقل المؤمن وكيانه، يضفيان على عمله متانة وقوة ورونقاً يبعث في صاحبه رضًا وطمأنينة تنبعان من ثقته بإله لا يضيع عمل عامل ما دامت وجهته ومقصده إليه.
فأي فكرة ناجحة تشغل حيزاً في هذه الحياة وليدةُ إخلاص تَملّكها، وإن كانت الفكرة تحمل في باطنها شيئاً من رياء، غدت فاسدة وآيلة للاضمحلال والتلاشي في أي لحظة، كالهائم يتخبط ويتعثر في مسيره، فلا يدري متى يصيبه الردى، يقول حسن البنا: “إنما تنجح الفكرة إذا قوي الإيمان بها، وتوفّر الإخلاص في سبيلها، وازدادت الحماسة لها، ووجد الاستعداد الذي يحمل على التضحية والعمل لتحقيقها.”
والإخلاص هو عماد العمل الصالح، فحينما يدرك العبد ويؤمن أنَّ مقومات هذا العمل ومصدره نابع من إله واحد أحد لا شريك له، انتفَت لديه كل شائبة رياء ونفاق يحوم حول نيته في القيام بهذا العمل، وأصبحت نواياه قبل القيام بأي عمل هي رضا هذا الإله الذي كل الأعمال منه وإليه.
ولم يكن الفَلَاح يوماً حليف من يُتبع أعماله تعلقاً برضا الناس فيه وحمدهم له، عندها يصبح من المرائين الذين يُسعدون لإطراء الناس لهم وقبولهم، ويحزنون ويبتئسون إن أساءهم ولم ينل إعجابهم، فيغدو الناس مصدر إلهامهم وغاية عملهم.
لكن دائماً هناك صوت بعيد يصدَح وينادي ويكرر النداء بين الحين والحين، معلناً عن ناقوس خطر بات قريباً غير بعيد هو أنه لا خير في عمل لا يقصد به رضا الله، وأن النجاح والفوز بالنعيم حليف من كان عِماد عمله الإخلاص، ومقوماته الحماس والإيمان لتحقيق هذا العمل في سبيل من يخلص إليه، إذ يجب ألَّا يكون عمل الإنسان كالذي استشهد ليقال عنه جريء، أو كالذي تعلَّم العلم وقرأ القرآن ليقال عنه عالم وقارئ، أو الذي أُوتي مالاً فتصدق به ليقال عنه جواد، فلا ندم يجدي ولا حسرة ولا لومًا إن دُقت أجراس الوَعيد منبِّئةً عن يوم عسير يُكشف فيه عن قلوب عباد يشوبها رياء ونوايا زائفة، فلا نجاة يومئذ إلا لمن أتى الله بقلب سليم، ولو افتدى بكل ما أُوتي من قوة ومال وبنين..