سلوى عبد الرحمن |
لم يعد مهمًا اليوم عددَ قَتَلةِ السوريين، فهم كُثرٌ ولا يمكن إحصاؤهم، وعددهم كما ضحايا الحرب السورية، والأهم حاليًا هو التفكير للخروج من دوامة الحرب وتحديد مصير ملايين المدنيين ممَّن ثاروا على النظام في سبيل الحصول على حريتهم وكرامتهم، تلك الحرب التي بدت لانهاية لها، فلا أملٌ يلوح بالأفقِ لا من قريبٍ ولا من بعيد.
للقصة بقية، فالحرب مازالت على أشدّها رغم كافة الجهود التي يبذلها بعض من أصحاب القرار في العالم للخروج من المصير الأسود الذي يرسمه لنا شياطين السياسة، لذلك مازال مستقبلنا مجهولا، قيد التخطيط والرسم، وهويتنا السورية التي صدرت التاريخ والحضارة للعالم باتت قيد التأليف عبر دس غير السوريين وتسجيلهم كسوريين لأغراض ومآرب سياسية خبيثة.
وما حاجتنا للتاريخ والهوية إن لم نكن نملك مفاتيح الحل لاستعادة ما فقدناه من سوريتِّنا وكرامتنا التي اغتيلت بأيادي من تسلّقَ على ثورتنا وساعد الغرباء في نهب ثرواتنا واغتصاب أراضينا؟!
في سورية لم يعد الإنسان يميز بين العدو والصديق، آلاف الأيادي تعبث برسم المستقبل لنا، إنَّ تشتت السوريينَ وعداوتهم لبعضهم البعض يلعب دورًا مهمًا في عدم الوصول إلى حل، كما إنَّ الفجوة باتت كبيرة ما بين المعارض والمؤيد، وما بين المعارضين أو الموالين أنفسهم، أو بين الأخ وأخيه “فرُبَّ عدو لك ولدته أمك” فهل بذلُ المزيد من الدماء والضحايا يمكن أن يغير النتائج للوصول إلى السلام؟!
أيُ مستقبلٍ ينتظرنا نحن السوريين ومازال الكثير منَّا يرى أنَّ الماضي أجمل؟! وأنَّ الخارج عن نطاق تدجين القادة والمألوف في الأعراف والدّين كافرٌ أو خائن! وعليهم قتله أو اغتياله؛ لأنَّه لا يجلب سوى المزيد من الدمار حسب اعتقادهم!
كلُّ الحلول لدى بعض السوريين باتت ممكنة في ظل ما عاشوه من قتل ونهب وقمع واغتيالات واقتتال وتفجيرات، الجميع منكوب، وآلة الموت التي كانت تقصفهم بشتى أنواع الصواريخ والبراميل ماتزال مستمرة على الأرض، لكن بطريقة مختلفة، أيُ حلٍ وقد تملَّصت كافة الدول العربية من مدِّ يد العون للسوريين، وباتوا يرون أنَّ مستقبلنا مع بقاءِ الأسد سيكون الأفضل؟!
إنَّنا نعيش في ضياع، ولسنا أحياءً أو أمواتًا بعد أن أوصَلنَا قادةُ الحربِ وأمراؤها إلى حالة الترقب، فأصبح حالنا كــــ “قنبلة موقوتة” بانتظار مستقبلٍ في الدنيا أو الآخرة، وفي كلا الحلّين سيكون مصيرنا محددًا بيد كل المتورطين من دولٍ ونظام وفصائل، لكن يجب أن نعي تمامًا أنَّنا جزء من هذا الحل لامحالة، وليس كما يريد المفاوضون في “أستانة” وغيرها، أولئك الذين لم يتذوقوا مرارة الحرب يومًا، ودورهم في الحرب لم يتعدَ الاستنكار لمجزرة وأياديهم ملطخة بالدماء مثلهم كمثل باقي القتلة.
من لا يستطيع الدفاع عن حقوقه في العمل ولا يتمكن من الحصول على أدنى مقومات العيش الكريم لا يستحق أن يكون له هوية ولا وطن، ومن ما يزال الخوف يملأ جوانب قلبه ولا يُوقف تدخل الغرباء ومن يواليهم من بعض السوريين، ومن لا يدافع عن هويته ووطنه وقضيته لا يحقُ له الانتماء للوطن، وتليق به كل ألقاب العبيد.
عزاؤنا أنَّنا مازلنا نجد من أبناء جلدتنا ممَّن يشعرون مثلنا، فنسعى معهم لإيجاد مساحة نبدأ منها رسم ملامح لمستقبل أجمل، ونحن على “يقين” بأنَّ أحلامنا لن تتأطر بإسقاط النظام، ولن تبقى تحت الوسادة، وأنَّ الليل سينجلي، فجذورنا باتت أقوى وأمتن، فقد شربت من أوردة شهدائنا، والرياح يومًا ما ستمشي بما تشتهي سُفننا.
إلى العابثين في مستقبل سوريتنا… كفاكم حجبًا لضوء الشمس، فنحن نعشق ألوان قوس الطيف، والسواد لا يليق بمستقبل من ضحى بأكثر من مليون شهيد، نحن من يخطط ويرسم ويلون….