منذ فترة وأنا أتابع تعليقات وكتابات عدد كبير من السوريين بمختلف الثقافات و التوجهات على مواقع التواصل الاجتماعي المتوفرة، بالإضافة إلى أخبار الحرب في سورية ووجهات النظر المختلفة والرؤى المُتقاطعة حول الشّأن السوري، فهي أصبحت مصادر إحصائية مهمة للمتابع والمُهتم في تطوير البلد وانتشالِهِ من قوقعةِ الحرب، ومن الأمور التي شدّتني وأجبرتني على الغوص فيها لما فيها من تأثيرٍ سلبي كبير على المجتمع في ظل ضياعِ للقيم والمثل العليا التي أفرزتها طبيعة مرحلة الفوضى والصراع ما يسميه مستشارو علمِ النفس بمصطلح ” جلدِ الذات” لماذا مجتمعاتنا بارعة في جلد الذات؟! فما إن نرى انكسارًا أو هزيمة تلوح في الأفق نصبُ اللعنات على هذا وذاك، ونُحمِّل المسؤولية لسعد وسعود، وكل واحد منا ينصب ميزانه ويضع هذا في النار وهذا في الجنة، حتى أصبحنا فرقاً وشيعاً وقبائل شتى، وكُلنا تائهون خاسرون مخطئون خطاؤون، وفي النهاية لا رابح بيننا.
ما بالنا نتعصبُ ضدًّ بعضنا البعض ولا نتعصب مع بعضِنا بعضا، لماذا لا نتعلم من ابن خلدون الذي قال: “إن العصبية شرطٌ رئيس لتكوين الشعوب و الأمم” ! لماذا لا نعود إلى جذرِ المشكلة الذي طالما بقي موجوداً سنبقى ضعفاء؟!
جلد الذات سيستمرُ في إيذائنا دون علاج، وسيضاعِف حجم العقبات بزيادة اللوم والتعذيب للروح والجسد دون التأمل في أسبابِ الخطأ.
علينا أن ندرب أنفسنا على نقد الذات وليس جلدها، فالنقد شعورٌ ايجابي يُتيح لنا اكتشاف مواطن الضعف والقوة بموضوعية، نستفيد من أخطائنا، نتمكن من الوصول إلى أهدافنا من خلال التخطيط والنظرة الموضوعية، والشعور الإيجابي لنقد ذاتنا ينبع من الرغبة الحقيقية في النجاح والثقة بقدرتنا على الوصول إلى أهدافنا، وإن صح التعبير “جلد الذات” أضحى مرضاً يُخيم في البلاد ويعشش في العقول ويقفُ في وجه نمو وتطور مجتمعاتنا الذي وجدت حوله الكثير من التقارير الطبية، فلقد قال الاستشاري النفسي مروان المطوع: “مصطلح جلد الذات ليس له وجود في علمِ النفس، إنما هو مصطلح اجتماعي درامي من الدرجة الأولى” وأيضا في علم النفس أطلقوا على هذا المصطلح في أحد جوانبه (بالمازوخية) وهو الشخص الذي يستمتع وهو يرى نظرة الحزن والألم في عيون الآخرين جراء تصرفهم السلبي معه مما يُعطي الشعور بالراحة والإحساس بالعزاء، ولقد أكد أيضاً الدكتور مروان أن مجتمعاتنا العربية تحتل المقدمة في جلد الذات، و رأى أن 80% من أبناء الشعوب يسعون بل يتلذذون بجلد ذواتهم لدرجة تصل أحياناً إلى اختلاق أخطاء لم تُرتكب فعليا.
الكثير من السوريين الذين يستمتعون بجلد ذاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي وبالأخص (الفيسبوك) وصل بعضهم إلى مراحل متقدمة من هذا الداء فبدأوا بلعنِ اليوم الذي جاؤوا به إلى هذهِ الحياة، ربما يعطي البعض الحق لهؤلاء الأشخاص بقول ذلك لما تجرعوه من مرارةٍ ومأساة في ظلِ الحرب من ظروف خاصة وويلات، لكن ما نحتاجه هنا ليس تشخيص الخلل فحسب، إنما طرح حلول لمعالجته الذي سيمد شَرِه في نهاية المطاف إلى باقي الأجيال في ظل انتشار الفيسبوك والمواقع الأخرى على نطاق واسع بين الشباب والمراهقين الذي جُّل ما يحتاجوه في هذه المرحلة هو تشجيعهم ورفع معنوياتهم وإرساء بهم الأساس الصحيح لبناءِ شخصيتهم، ليكونوا عوناً لوطنهم ليس فرعوناً عليه.
من قال إن الكون يتواطأ مع حزننا و إن الأشياء تتوقف لأجلنا، فلا حزننا سيُغلق الأسواق، ولا آلمَنا ستجعل بائع الخُبز يتوقف، ولا بكاءُنا ونحيبنا سيترك شمس الصباح دون شروق.
نحن نحزن ونتألم وننكسر ونهشم ونبكي لوحدنا ليالٍ طويلة، لكن مهما كان حولنا من كثير سنكتشف في لحظة أننا أعز صديقِ لأنفسنا.
وإن كان لابد من جلد الذات، فلنجلد ذواتنا لتصحيحها وتهذيبها وتشذيبُها وتأديبها، فهذا نوع من أنواع التفكير العقلي النقدي البناء لسلوكيتنا اليومية، على أن نأخذ في اعتبارنا أننا كما نجلد ذاتنا لابد من أن نمدحُها ونثني عليها ونكافِئها باعتدال، ولنتقي الله في أنفُسِنا وأهلِنا.