عبد الله درويش
عندما ذهب موسى وهارون عليهما السلام إلى فرعون يدعوانه، قال موسى:(إنَّنا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى)، قال الله تعالى :(إنَّني معكما أسمع وأرى).
هذا الخطاب لكلِّ من يسلك طريق العمل للأمة، ولكلِّ مجاهد في سبيل الله ليكون على مستوى هذا العمل من الإخلاص والمصداقية في القول والعمل، فكيف يتصدى للعمل على مستوى الأمة من يكتفي بالقول؟! فالله مطلع عليه.
ومن دلائل الإخلاص في عمله أنَّه يحرص على وحدة الصف، أمَّا ما نراه ونسمعه من انشقاقات في الصفوف، وتشرذم في مكونات الفصائل، فإنَّه يخالف أدنى معايير الصدق في الجهاد.
فكيف لمن يجاهد في سبيل الله ولخلاص أمته من الظلم والاستبداد أن يغفل عن
أهم مبدأ من مبادئ الجهاد ألا وهو وحدة الأمة؟!
فرق شاسع بين من يجاهد في سبيل الله، وبين من يعمل سمساراً لطرف داخلي أو خارجي، بين من يجاهد في سبيل الله، وبين من يعمل لشخصه أو فصيله.
وفي قصة عزل خالد بن الوليد رضي الله عنه، خير شاهد على الإخلاص والصدق، ففي أوج انتصاراته يأتي قرار الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه القاضي بعزل خالد عن قيادة الجيش، فتقبل الأمر بنفس طيبة دون التعرض أو معارضة، فهو يقاتل في سبيل الله، فلا يضره أن يكون في المقدمة أو في الساقة.
بينما نرى اليوم في ساحة الثورة السورية ما يعكس خللاً كبيراً، وهوةً عظيمة بين الدعاوى الرنّانة وبين الحقيقة القاتمة التي يرسمها كثير من القادة وبين الواقع المرير الذي نعيشه والذي يعجُّ بالانقسامات المتلاحقة.
إنَّ عدونا لا يخاف من عددنا وعتادنا بقدر خوفه من وحدتنا واجتماع كلمتنا، لذلك تجده حريصاً دائما على فرقتنا ومحاولة ترسيخ الفرقة وافتعال أسبابها. إنَّه يقتل الثور الأسود أولاً ليتفرغ للثور الأبيض فالأحمر.
وفي أبجديات ثقافتنا الإيمانية قول الله تعالى: (ولا تفرقوا فتفشلوا وتذهب ريحكم)، ومع الأسف عدونا يعمل على فرقتنا مؤمناً أنَّنا غير قادرين على تحقيق أي نصرٍ دونما وحدة، وسط تيه في صحراء التشرذم والاختلاف.
إنَّ من يسعى لشقِّ الصف وتمزيق الشمل، إنَّما يجعل من نفسه إلهاً يقاتل في سبيله
(أفرأيت من اتخذ إلهه هواه) فهو يبدد الجهود، ويعبث بالدماء، لهذا لا بدَّ من وقفة مع الذات، وتصحيح للمسار، وتوجيه للبوصلة نحو أولويات المرحلة، وليدرك كلُّ قائد أو من ولي من أمر الناس شيئا أنَّه مسؤول أما الله ثمَّ أمام الناس، فلا يزهد بما قُدّم من دماء زكية روت تربة أرضنا المباركة، وليقف أمام التهديد الإلهي، واعياً، حذراً (وقفوهم إنَّهم مسؤولون).