غسان الجمعة |
مع اقتراب نهاية تنظيم داعش على الأرض الذي كان بمنزلة القطب الذي تمسك به ذراع المصالح الدولية في رحى الحرب السورية، باتت تتشكل ملامح صراح جديد محوره إيران التي غزت بمشروعها الطائفي دول المنطقة بشكل يتناسب طرداً مع حجم الضغوط الدولية عليها، لكن هل هذه النوايا الدولية تنطلق من بواعث حقيقية كما هي حقيقة المشروع الإيراني في المنطقة؟
لقد بات النظام الإيراني كثقب أسود تُرمى إليه مشكلات الدول الإقليمية وتدور في فلكه أقطاب الصراع على منطقة الشرق الأوسط والبداية من الولايات المتحدة التي تنادي إيران بموتها في كل مناسبة، حيث تعتبرها واشنطن على رأس أولويات السياسة الأمريكية في هذه المنطقة بهدف كبح جماح تدخلاتها في المنطقة و تغيير سلوك نظامها كما يدعي الساسة الأمريكيون، لكن تناقض الأقوال و الأفعال في هذه السياسة لا يوحي حقيقة بذلك، فالولايات المتحدة تحاول إدارة الصراع مع إيران وليس القضاء عليها لأسباب تتعلق بالداخل الأمريكي والظروف الإقليمية للشرق الأوسط، وذلك من خلال توظيف هذا البعبع في المزيد من الابتزاز السياسي والمالي لدول الخليج، كما أنها باتت ملجأ للهروب من مشكلات الإدارة الأمريكية و خصوصاً إدارة ترامب التي تشهد تحقيقات من الممكن أن تؤثر على بقائها في سدة السلطة.
ومن جانب آخر تترقب إسرائيل بعين الرضى الحذرة نشاط الإيرانيين في المنطقة، لكنها استثمرت هذا العداء بشكل لم تتوقع نتائجه هي نفسها من خلال دفع دول المنطقة العربية للقبول بالتطبيع الذي يسلك منحى التحالف مع بعضها لمواجهة إيران، بل وأحدثت فرقاً واضحاً في تغيير ماهية الصراع من وجهة نظر المواطن العربي بعد أن أسفر الوجه الإيراني عن قبحه الطائفي مقارنة بالمشروع الإسرائيلي الذي بدا أكثر واقعية وملائمة في ظل انعدام الخيارات أمام العرب أنظمة وشعوبًا.
لذلك تسعى إسرائيل لتقليم الأظافر الإيرانية بين حين وآخر دون أن تقتلعها، وتنسق لاحتواء مشروعها دون مواجهته دون تفويت فرصة المقارنة بين دول المشروع الإيراني ودول التطبيع الإسرائيلي.
أما بالنسبة إلى روسيا شريك إيران في سورية فهي تعتبرها بيضة القبان في ميزان مصالحها لمواجهة الولايات المتحدة كونها تمثل الاستثناء في قواعد الصراع بين روسيا من جهة وأمريكا وإسرائيل من جهة أخرى، وهو ما يفسر صمت الروس عن قبول مشاركتها الغنيمة السورية إلى الآن، ولن تتخلى عنها حتى تتمكن منفردة من رقبة فريستها دون الولايات المتحدة وحلفائها.
من جهة أخرى تتعامل تركيا مع إيران من مبدأ المنافسة المشروعة في المنطقة أو حليف الضرورة لمواجهة المحور السعودي الإسرائيلي الذي اعتبر تركيا الخطر الأولى بالمواجهة وليس إيران، كما تشكل الأخيرة بالنسبة إلى أنقرة جزءًا من مشهد الصراع الخفي مع الإدارة الأمريكية التي تسعى لتقويض السياسة التركية في المنطقة وإعادتها إلى الحظيرة الغربية.
كل اللاعبين الإقليميين يحاولون إخفاء مصالحهم وتوظيفها في المنطقة تحت عباءة تتمدد على غرار مشروع داعش الذي أدى دوره وحاليا على أبواب التخلص منه.
فهل كان مؤتمر وارسو الأخير بداية النهاية للدور الإيراني؟ أم أن الحفاظ على وجودها تنازعُ الحصار والفقر وتمارسُ الإرهاب والتدمير هو أكثر فائدة؟ هذا ما يحدده الشيطان الأكبر كما تُسمي إيران أمريكا، بالإضافة إلى تقيد إيران بسلوكها المنوط بها.