بقلم : صادق الأمينتعتبر إيران نفسها وريثة الإمبراطورية الفارسية الساسانية، وهي أمَّة ذات حضارة أدبية وفنية ومعمارية، والعرب حينها كانوا قومًا بداة متفرقين لا دولة تجمعهم ولا قوة تحميهم، وحينما ظهر الإسلام وتوحد العرب وانطلقوا خارج الجزيرة، كان العراق أولى محطاتهم، وكانت الدولة الفارسية أوَّل من اصطدم مع العرب المسلمين، وقد تم سقوط الدولة الفارسية وفتح عاصمتها المدائن وقتل آخر أكاسرتها يزدجرد الثالث وأخذ ابنتيه مع السبايا، وهنا فقد الفرس دولتهم ونفوذهم وأصبحوا محكومين بعد أن كانوا حاكمين، وممَّن؟ من العرب الذين كانوا لهم تبعًا. وأصبحوا بعد الفتح الإسلامي الأضعفَ دينيًا وعسكريًا وسياسيًا ولكنَّهم الأقوى حضاريًا، فأرادوا تعويض قوتهم التي فقدوها، ولكن كيف وهم الأضعف في النهاية؟بعد أن اعتنق الفرس الإسلام أرادوا أن يكون لهم إسلام خاص بهم يختلف عن إسلام (العرب) الوافدين الدخلاء، فعمدوا إلى التشيع لكي يتميزوا، ووجدوا في شخصية علي بن أبي طالب مطلبهم وضالتهم، فقد أصبح ابنه الحسين صهرهم، حيث إنَّه تزوج ابنة يزدجرد الثالث الأسيرة لدى المسلمين، وقد اعتمدت فكرتهم على أنَّ أصحاب النبي من العرب قد ارتدوا عن الإسلام وخرجوا من الملة، إذًا فقد تخلص الفرس من عقدة الصحابة العرب ومن عقدة أنَّ الإسلام عربي المنشأ.ركز الفرس على شخصية علي وابنه الحسين من بعده وابنه علي زين العابدين ذي الأم الفارسية، واعتبروا الحسين بن علي إمام الأئمة من قبله ومن بعده وحتى الإمام محمد المهدي الثاني عشر ذلك الصبي الذي اختفى بظروف غامضة ولا يزال الاثنا عشرية ينتظرون خروجه!إذًا، يرى الفرس أنَّ هناك إسلاميْن، إسلام عربي يتبع سنة النبي وأصحابه، يخضع للقرآن وللسنة الموثقة بطريقة علمية دقيقة وللمنطق والعقل والنقل الموثق. وإسلام آخر فارسي الصنع والمنشأ تعمَّد فيه واضعوه ألا يكون المنطق والعقل والنقل الصحيح هو الحكم، بل يتبع أهواء مراجعهم الدينية وو..، وعلى العموم فإنَّ التشيع يعتمد على النقل عن الأئمة والمراجع وإن كان كلامهم مخالفًا مخالفةً صريحة للعقل والمنطق، فإذا كان تقديس الأشخاص يعتبر مثلا أنَّ القمر هو وجهُ علي والرعدَ صوتُه والبرقَ شرارُ عينيه والمطرَ دموعُه فماذا نترك للعلم والعقل من خيار؟لقد بدأ الإسلام عربيًا وبقي طيلة الدولة الراشدة مع مراعاة العدالة بين الأمم وعدم أفضلية العربي على غيره إلا بالتقوى، وما أن جاء العصر الأموي حتى أصبحت تظهر فكرة أفضلية العرب على غيرهم بما لهم من سبق إلى الإسلام إلا أنَّ المساواة والعدالة التي رأتها الشعوب التي دخلت في الإسلام جعلتهم يخلصون للإسلام أيَّما إخلاص.وما أن سقطت الدولة الأموية على يد العباسيين حتى عظم الدور الفارسي فيها وأخذ الفرس حريتهم في الكيد الداخلي للإسلام، ذلك الإسلام السني المتمثل بالعرب، وظهرت الشعوبية فزعموا أنَّ الفُرس أفضل من العرب.وبذلك نشأت في بلاد فارس جميع المذاهب الهدَّامة والحركات السرية والباطنية مثل الإسماعيلية والقرامطة والزنادقة والثنوية والمانوية والبهائية والحشاشين وغيرها من الحركات والمذاهب التي ساهمت في تفتيت الإسلام من الداخل، وكذلك تشويه العقيدة الإسلامية الصحيحة التي تنتسب مباشرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وقد دخلت الفلسفة من كل حدب وصوب، يونانية وهندوسية، وأدخلوا خرافات المدعين للتصوف، كل منهم يخترع طريقة للكيد للإسلام، وكأنَّه بينه وبين الإسلام ثأر عميق، وفي الحقيقة يوجد ثأر عميق، حيث إنَّ الإسلام هدم أركان المجوسية الفارسية وأساسها وأطفأ نارها.يتبع..