بقلم : صادق الأمينبقيت بلاد فارس خارجة عن سيطرة الدولة العثمانية السنية، محتفظةً بكيان مستقل إلى حين ظهور الدولة الصفوية الشيعية المتطرفة المتقوقعة ضمن المذهب الإمامي الاثنا عشري، فتبلورت المسألة الشيعية وأصبحت إيران الدولة الفارسية الشيعية الصفوية التي قام بناؤها الإيديولوجي على هذا الأساس، وقد توضحت الصورة في بداية القرن العشرين منذ اعتلاء الجنرال (الشاه) رضا بهلوي الحكم في إيران، فظهر التطلع إلى التمدد خارج حدود إيران وخاصة نحو البلاد العربية ذلك العدو التقليدي التاريخي.وكما أنَّ العرب المسلمين بعد الإسلام خرجوا من الجزيرة العربية مبتدئين بالعراق الفارسي، فإنَّ إيران في عصرنا تطلعت إلى العراق العربي كمقدمة للسيطرة على الجزيرة العربية وبلاد الشام.في أوائل القرن العشرين تأسست الدولة الشاهنشاهية الفارسية، وتولَّى العرش رضا بهلوي كما ذكرنا، وخَلفه ابنه محمد رضا، وفي عهده توطدت العلاقة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية حتى أصبحت إيران شرطي أمريكا في الشرق الأوسط.كانت إيران في عهد محمد رضا بهلوي دولة علمانية ذات توجه غربي خاصة مع أمريكا، ذلك لما تملكه من نفط ومن قوة عسكرية وبشرية. وبعد فشل ثورة محمد مصدق رئيس الوزراء الإيراني، توطدت العلاقات بشكل كبير بين إيران وأمريكا المتعطشة إلى النفط، وانتشر الفساد السياسي والاجتماعي، وانقسم المجتمع الإيراني إلى فقير مدقع وغني متخم، ودامت الحالة هكذا حتى منتصف السبعينات، ولقد كانت نقطة التحول والقشة التي قصمت ظهر البعير في النظام الإيراني أنَّ الشاه محمد رضا بهلوي أقام حفلة دولية في طهران بمناسبة مرور 2500 سنة على قيام الدولة الفارسية الكسروية، وقد كان فيها من البذخ ما أثار انتباه القوى العالمية، وأوقع الخزينة الإيرانية في موقع المدين المفلس.وقامت مظاهرات ضد الشاه عام 1975م من حلف بين (الإسلاميين) ودامت هذه الثورة حتى عام 1979م حيث انتصرت بقيادة الخميني الهندي الأصل القادم من باريس، وهرب الشاه إلى مصر ومات هناك، وكان أول رئيس وزراء في العهد الجديد هو محمود مهدي بازركان.وبدأ الخلاف بين أطراف السلطة الجديدة، وجاء دور تصفية الحسابات بين أجنحة الثورة، ولم ينس النظام الإيراني الجديد مدَّ النفوذ الفارسي خارج الحدود، بل أصبح يمتلك مسوغًا كبيرًا فهو دولة (إسلامية) دينية شيعية تريد تصدير الثورة إلى خارج البلد، حتَّى إنَّ الخميني صرَّح بعد انتصار ثورته بأنَّ العراق لهم ومتسامح عنه مؤقتا.إذًا، أصبحت أطماع إيران في بلاد جيرانها العرب (العراق – بلاد الشام-الجزيرة العربية) واضحة وقوية، وهذا ما يفسِّر قيام الحرب الإيرانية العراقية التي دامت أكثر من ثمانية أعوام، وقف العرب جميعهم مع العراق وخاصة دول الخليج ومصر وشمال إفريقية واليمن، إلا أنَّ دولة واحدة من بين جميع الدول العربية وقفت مع إيران ألا وهي سورية التي يحكمها حافظ الأسد.والسؤال هنا: ما الذي دفع حافظ إلى الوقوف مع إيران مخالفا بذلك جميع الدول العربية ومناقضا مبادئ حزبه حزب البعث العربي الاشتراكي وشعاره (أمة عربية واحدة) فما موقع حافظ الأسد من هذا الشعار؟وما هي الدوافع الحقيقية لوقوفه مع إيران؟ وكذلك فإن موقف إيران يدعو أكثر إلى الاستغراب، فكيف لدولة دينية (إسلامية) كما تزعم مثل إيران تخطب ودَّ دولة علمانية قومية عربية مثل سورية؟ إذًا فلا بدَّ من وجود صلة وصل قوية يبن قيادات الدولتين أقوى من نقاط اختلافهما وهذا ما سنبينه في أعداد قادمة إن شاء الله.