باسل عبود
تتسم العلاقات التركية الإيرانية بالتوتر المرحلي خلال السنوات الماضية، فمنذ اندلاع الثورة في سورية مطلع عام 2011 بدأت بذور الخلاف بين الدولتين الإقليميتين، ولا يخفى على أحد موقف كلا الدولتين من الصراع في سورية، لكنهما بالمقابل حرصا خلال هذه الفترة على إبقاء علاقات دبلوماسية قوية يدفعها تعاون تجاري كبير، حيث يتخطى التبادل التجاري بين البلدين حاجز العشرين مليار دولار وهو في تقدم مستمر.
إنَّ الأحداث على الأرض دائماً كانت تضغط على هذه العلاقات، في حين كان يعقبها زيارات بين مسؤولي البلدين وعودة الهدوء، لكن في الفترة الأخيرة بلغ مستوى التوتر بين البلدين حداً لم نشهده من قبل، إذ إنَّ الرئاسة التركية أصدرت بياناً قبل أيام اتهمت فيها صراحة طهران باحتلال مناطق خارج حدودها، وعليها أن تعيد حساباتها إذا أرادت من تركيا عدم تصعيد الموقف، فما الذي دفع تركيا إلى مثل هذه التصريحات؟
إنَّ مشاركة الميليشيات الإيرانية في معارك حلب في سورية، وفي الموصل وتلعفر في العراق كان لها أثر كبير على تدهور العلاقات، فتركيا تعتبر هذه المناطق جزءاً من أمنها القومي ولا تقبل تغيير الوضع الديموغرافي فيها، حيث تعتبر المناطق المذكورة سنية بامتياز إضافة إلى وجود نسبة كبيرة من التركمان فيها.
تركيا كانت تصرُّ بشكل دائم وعند أي حديث عن معركة الموصل على عدم مشاركة الحشد الشعبي الشيعي في المعركة، وهذا ما لم تلتزم به حكومة بغداد التابعة لطهران.
وفي سورية طلبت تركيا من روسيا إخراج المليشيات من حلب ونشر شرطة عسكرية شيشانية (سنية) بدلاً عنها، وهذا مالم ينجز بشكل كامل أيضاً.
تركيا المنخرطة في عمليات درع الفرات منذ أشهر تحاول إبعاد شبح تنظيم الدولة والميليشيات الانفصالية عن حدودها تجد نفسها اليوم مضطرة على مواجهة قوات النظام والميليشيات الإيرانية التي تسابق الزمن للالتفاف على درع الفرات شرق حلب، فهناك تقارير تشير إلى إرسال إيران تعزيزات ضخمة لتلك الجبهة.
تحاشت تركيا الاصطدام مع إيران وحلفائها على الأرض طوال السنوات الماضية، لكن اليوم الوضع مختلف، فالنار قاربت على الوصول إلى حدود تركيا، وإن كانت تركيا قد آثرت سحب قواتها من معسكر بعشيقة في العراق تحاشيا للصدام، فمن المستبعد أن يتكرر هذا السيناريو في سورية.
الأيام القادمة ستشهد إمَّا إعادة التهدئة وتبريد الأجواء بين البلدين، وإمَّا مزيد من التوتر قد يصل إلى الصدام المباشر على الأرض، وهو ليس في مصلحة أحد إذا ما أخذنا بعين الاعتبار المصالح المشتركة للبلدين، فأي تصعيد جديد سينعكس مباشرة على الوضع في سورية، حيث من المفترض أنَّ البلدين ضامنان لوقف إطلاق النار الهش أصلا ًولمحادثات السلام التي اتفِق عليها في مؤتمر الأستانة، ما يعني خلط الأوراق من جديد والعودة إلى المربع الأول، وهذا ما لا يرغب به البلدان.