طلال شوار
لقد استطاع الخميني في أواخر السبعينيات من القرن الماضي إنجاز ثورةٍ إسلاميةٍ من منفاه في باريس، أسقطت حكم الشاه الذي يُتهم بموالاة الغرب، وبأنَّه يعترف بدولة إسرائيل ويقيم لها سفارة على أراضيه، وهو ما يعتبر من مفارقات القرن العشرين.
والمفارقة الأكبر أن نجد من يصدق أن تساعد فرنسا ومن ورائها الغرب على قلب نظام حكم علماني في الشرق الأوسط على أهميته يعترف بحليفتهم وربيبتهم إسرائيل ليأتوا بحكم (إسلامي) مناهض لإسرائيل، بل ويدعو لإزالتها من الوجود إن اقتنعنا أصلاً أن يسمحوا لمن يحمل هذا الفكر أن يلجأ إليهم فضلاً عن أن يساعدوه في مسعاه.
لقد كان قيام الثورة الإسلامية في إيران منعطفاً خطيراً ومهماً في الوقت عينه في تاريخ الشرق الأوسط ككل وفي تاريخ بلادنا العربية على وجه الخصوص؛ فإيران الثورة اعتنقت المذهب الشيعي وأعلنت نفسها جمهورية إسلامية كستار لنواياها الفارسية المجوسية التي ترمي في نهاية المطاف لاستعادة مجد كسرى، وغريمهم في ذلك العرب المسلمون الذين أزالوا إمبراطورية فارس من الوجود، وهنا التقت مصالحها مع الغرب وإسرائيل لتبدأ فصول مسرحية العداء بين إيران وأمريكا وإسرائيل، وتطلق إيران شعار الموت لأمريكا وتنادي بزوال إسرائيل.
وليومنا هذا لم نشهد معركة واحدة مباشرة بينهما تثبت هذا العداء إذا ما استثنينا معارك حزب الله المدعوم من إيران في جنوب لبنان التي تبين لاحقاً أنَّها مسرحية كغيرها من مسرحيات حلف الممانعة والمقاومة الذي يضم إلى جانبها نظام الأسد في دمشق الذي دخل في عباءة الثورة الإسلامية مبكراً بدعوى المقاومة والعداء لإسرائيل.
واليوم ومن خلال الأحداث التي تتسارع في المنطقة نجد أنَّ أيادي الأخطبوط الإيراني قد امتدت لتطال عواصم عربية كبغداد وصنعاء وبيروت ودمشق، وكل ذلك تحت أنظار أمريكا والحلفاء وأحياناً بمباركتهم، وهي تمارس التطرف في أسوء وأبشع صوره.
ورغم ذلك لا تجد من يحاربها أو يحارب مرتزقتها المنتشرين في أصقاع المشرق العربي من قبيل الحرس الثوري الذي يصول ويجول في سورية والعراق والحشد الشعبي العراقي وحزب الله اللبناني الذي ارتكب الفظائع في سورية وميلشيا الحوثي في اليمن والذين يعلنونها جهاداً على الملأ ويعلنون هدفهم بإقامة الهلال الشيعي على حدود إسرائيل دون أن تهتز شعرة لدى دعاة الإنسانية وحقوق الإنسان وحماة إسرائيل من باب أولى.
بينما يسيرون حاملات الطائرات والبوارج الحربية ويستنفرون أهل الأرض لقتال جماعات صنعوها على أعينهم باسم الإسلام ليحاربوا بها الإسلام ويقتلون خيرة شبابه ويدمرون مدنه وقراه وبنيته التحتية تاركين لإيران “الإسلامية” حرية التمدد، يساعدهم في ذلك عجزٌ وتواطؤ رسميٌ عربيٌ غيرُ مسبوق، بل يتعدى ذلك ليقدموا خدماتهم الجليلة للمشروع الفارسي كما رأينا ما حصل مؤخراً من حصار ومقاطعة لقطر وإنَّهُ وإن كان بدعوى التعاون مع إيران فإنَّه في الوقت ذاته يخدمها من حيث لا يدري فاعلوه.
وإذا ما استمرت الأحداث في سياقها الحالي لن يطول الزمان قبل أن نرى إيران وقد بسطت نفوذها على كامل جغرافيا الشق الآسيوي من وطننا العربي لتكون قد حققت حلمها وحلم حليفتها اللدودة إسرائيل، ويعود العرب إلى ما قبل عصر الخيام، وقد يجدوا أنفسهم من جديد حكامُ مقاطعاتٍ لدى وليِّ الفقيه في قُم.