غسان الجمعة |
تعيش منطقة خفض التصعيد الأخيرة شمال غرب سورية أوضاعاً إنسانية صعبة، فمع انهيار قيمة الليرة السورية وارتفاع أسعار السلع والخدمات وتفاقم أزمة المحروقات وشح المساعدات الإنسانية، يلوح بالأفق الحشد لعمل عسكري جديد جنوب إدلب، حسب ما أعلنت عنه وكالة سبوتنيك الروسية، ما أدى إلى موجات نزوح جديدة في ريف إدلب الجنوبي.
إن التحضير أو الترويج لذلك بالتزامن مع الصعوبات الأمنية التي يواجهها الأسد في درعا، بالإضافة إلى الخسائر التي يتكبدها على محور كبينة، وتغطيته لمناطق شاسعة شرق الفرات، يطرح تساؤلات حول مقدرته عملياً على تحقيق تقدم على الأرض من محور إدلب، إلا إذا كانت الاتفاقيات والتفاهمات هي من تقود المعارك على الأرض.
إن التحرك التركي في شرق الفرات من خلال عملية نبع السلام أظهر تنسيقاً واضحاً مع الجانب الروسي، حيث حقق الطرفان مكاسب سياسية وعسكرية، ما زاد من تعقيد المصالح بين موسكو وأنقرة، حيث بات حتمياً ربط ملف شرق الفرات بملف إدلب على الأقل من وجهة النظر السياسية بين الطرفين، فروسيا لم تعد لاعباً هامشياً في شرق الفرات الذي كان سابقاً يخضع لتفاهمات تركية أمريكية، بينما اليوم ترتبط أنقرة وموسكو باتفاقية سوتشي الخاصة بشرق الفرات، وكذلك اتفاقية أخرى مشابه لها تخص منطقة إدلب وما حولها.
هذه الاتفاقيات تتوحد أطرافها وآليات تنفيذها بين إدلب وشرق الفرات، حيث كلا الاتفاقيتين تقوم على مناطق آمنة ودوريات مشتركة ونقاط مراقبة بالإضافة إلى مكافحة الإرهاب.
فالجانب الروسي يطالب تركيا بسوتشي إدلب الذي من المفترض أن تقوم تركيا فيه بكل ما يلزم لفتح الطرق الدولية، بالإضافة إلى لمحاربة التنظيمات التي تصنفها موسكو “إرهابية” وتسيير دوريات مشتركة وتنفيذ منطقة آمنة على عمق 20 كلم.
ومن جهة أخرى وجد الروس أنفسهم مضطرين لتوفير مظلة سياسية وعسكرية لقسد، وقد أسفر سوتشي شرق الفرات بين بوتين وأردوغان عن بنود مشابه لسوتشي إدلب، حيث تضمن تسيير دوريات مشتركة ومنطقة عازلة ومحاربة الإرهاب، فأنقرة اليوم تطالب موسكو بإبعاد ميليشيا قسد التي تعتبرها “إرهابية” على عمق معين داخل الأراضي السورية.
كما أن تركيا بالنهاية تريد السيطرة على أوتوستراد M4 الممتد بموازاة الحدود السورية التركية من أرياف حلب إلى الحسكة، بالإضافة إلى أن دخول قوات روسية إلى عين العرب يعرقل الخطط التركية بوصل مناطق نبع السلام بمناطق درع الفرات.
تحديات سياسية وعسكرية تواجه اتفاقيات والتزامات كلا الطرفين، فروسيا لا تستطيع الضغط على قسد كما يجب لتحقيق المصالح التركية؛ لأن قسد لا تزال متمسكة بالمظلة الأمريكية وقد ربطت مصيرها بشماعة محاربة داعش وحماية آبار النفط التي يوليها ترامب أولوية خاصة، كما أن روسيا أمام مسألة معقدة بخصوص مصالح حليفها الأسد الذي ترفض قسد شروط تذويبها في ميليشياته وعودة مناطق قسد لسيطرته بشكل كامل.
بالمقابل ليست مهمة أنقرة أقل سهولة في إدلب، فمسألة الحفاظ على الاستقرار وعدم حدوث موجات لجوء كبيرة ترتبط بمطالب روسية بمحاربة كل التنظيمات المتطرفة وعلى رأسها تحرير الشام المصنفة على لوائح الإرهاب، كما أن صعوبات فتح الطرق الدولية بين حلب وحماة وحلب واللاذقية في هذه الظروف شبه مستحيلة.
تبقى هذه الاتفاقيات خطوط عريضة تراعي مصالح المتنافسين على الساحة ومرتبطة بمساومات وحسابات تتخطى الحدود السورية أحياناً، وأحياناً أخرى تستغرق بتفاصيل لما هو أدق وأعمق كما يحصل الآن في اللجنة الدستورية، فهل تستمر الظروف والتفاهمات بتحقيق توازنات شرق الفرات وإدلب؟ أم أن الآلة العسكرية ستستمر بخلق فرص تفاهمات جديدة على حساب دماء السوريين؟