عبد العزيز عباسي |
وحده الله يعلم مصير (مصطفى سعيد) أين وكيف ومتى ولماذا مات أو اختفى بهذه الطريقة الغريبة. الرواية تعود إلى القرن الماضي، وبالتحديد إلى فترة ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية في السودان حيث تجري أحداثها في قرية صغيرة عند منحنى النيل.
هل كانت شخصية مصطفى سعيد شخصية لم توجد إلا على الورق، فكما يُقال بين (الطيب صالح) كاتب الرواية ومصطفى سعيد تشابهٌ كبيرٌ جعل الناقد (رجاء النقّاش) يظن أن مصطفى سعيد هو الطيب صالح؟ فكلاهما سافر إلى إنكلترا وتزوج من إنكليزية، لكنّ مصطفى سعيد كان أكثر ذكاءً كما يقول الطيب صالح.
كان يلقب بفتى الإنكليز المدلل وبألقاب أخرى، لماذا رجع مصطفى سعيد ليعيش في تلك القرية وينتحر أو يختفي أو يتبخر في الهواء أو يغرق في النيل؟
إنّ الطيب صالح جعل النهاية مبهمة ليقول: “إنّ الذين ارتبطوا بالإنكليز قد رحلوا برحيل الإنكليز” فالرواية ترسم مرحلة ما بعد الاستعمار البريطاني للسودان.
مُنعت هذه الرواية لمدة 30عامًا لكنها بقيت شاهداً على العصر عصر اكتشاف القبيلة للحضارة؛ لأن السمة الغالبة على طبيعة أهل السودان هي الطبيعة القبلية لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، هناك حيث ينتشر الفقر والجهل والحر والفساد باسم الدفاع عن الوطن عاش أبطال الرواية التي ترجمت إلى لغات عديدة واعتبرت من بين أفضل مئة رواية في القرن العشرين بطل الرواية ليس هو مصطفى سعيد بل هو الراوي الذي يشبه إلى حدٍ كبيرٍ الطيب صالح.
أحداث الرواية بسيطة لكنّ النهايات متعددة غامضة مثل نهاية مصطفى سعيد حين استطاع الراوي بعد موت مصطفى سعيد الدخول إلى تلك الغرفة التي كانت تمثل إعجاب سعيد بالطراز الإنكليزي في كل شيءٍ، المدفأة الإنجليزية وكتب الأدب والشعر الإنكليزي، لكنّ الراوي لم يجد في المرآة إلا صورة نفسه التي سرعان ما تلاشت واختفت بعد أن أشعل عود ثقاب؛ لأن النور يبدد الظلام ويطرده.
في الرواية نوع آخر من النهايات وهي النهاية الحزينة، مثل نهاية ود الريّس وزوجته الجديدة حسنة بنت محمود أرملة مصطفى سعيد ، إذ مات كلاهما بعد معركة ضارية تعيد إلى الأذهان الجاهلية الأولى، حيث تسود العادات والتقاليد حتى أصبحت مصدر الصح والخطأ في ذاك المجتمع السوداني وكذلك مجتمعاتنا، فكلنا عرب شئنا أم أبينا ود الريّس فقط يريد الزواج ماذا عسانا نقول؟ لعلّ مصطفى سعيد كان عميلاً بنظر الطيب صالح وأهل القرية والمجتمع السوداني، لكنّه والحق يقال، حاول التغيير وإن فشل تعلم ودرس وتثقف وحفظ الشعر الإنكليزي وكانت له علاقات غرامية في إنكلترا وكان له دور عظيم في لفت الأنظار للكشف عن البؤس الذي يعاني منه أبناء بلده تحت وصاية المستعمرين، كما جاء في كتابٍ كتبته عن حياتها وحياة موزي (أي مصطفى سعيد، وروكي زوج السيدة روبنسون) لماذا رحل ليتعلم هناك؟ لو وجد مدرسةً أو وطناً أو حضناً دافئاً لما هرول إلى الغرب، إلى متى نلقي اللوم على الأفراد بدون أن نسأل لماذا صعبةٌ هي الغربة؟ ولكن الأصعب منها هو العيش في وطنٍ تتحكم به الأشباح.
قتل مصطفى سعيد (جين موريس) حين كان في إنكلترا، ثم ما لبث أن اختفى ليظهر فجأةً في قرية صغيرة، لماذا قتل مصطفى سعيد امرأةً أحبته حباً إلى حد الجنون؟ كان يقول هي انتحرت وكتبت قبل انتحارها رسالةً تقول فيها: “مصطفى سعيد لعنة الله عليك” بعد أن خانته على حسب ادعائه الكثير من المرات، فطعنها بخنجر في صدرها.