بقلم: جاد الغيثعاد المنتصر من النقطة الطبية للمعركة في فترة استراحته، وعلى وجهه ارتسمت ابتسامات الشهداء، وفي رواياته حزن وأمل وخوف ورجاء . . .القذائف تسقط كالمطر، والساعات العصيبة تترك الإنسان في الفراغ معلقا بلا مشاعر، وخائفا حتى من صوت أنفاسه . . .كيف يكون شعورك حين تعلم أنَّ صاروخ (سكود) سيهبط بعد عشر دقائق في المكان الذي أنت فيه؟!إلى أين ستذهب . . . من ستدعو . . . ما هي آخر صورة تتذكرها؟!ماذا تتخيل؟ وما آخر كلمة يقولها قلبك؟الذعر من أصوات القصف والانفجارات تقلع قلبك من مكانه وتقذفه بعيدا . . .لا شيء في الدنيا يشبه ذلك الإحساس، ولا يمكن وصفه بأية لغة من لغات الأرض.في لحظة واحدة فقط يتحول إلى أشلاء مبعثرة بفعل شظية لا يزيد حجمها عن أصبع يد . . .هذه العبارات المؤثرة سردها منتصر في دقائق قليلة كشفت عن خوف قلبه الأبيض، ولأنَّه رجل حقيقي لم يخفِ مشاعره وخوفه، ولم يتوقف عن عمله في مداواة جرحى المعركة والدعاء لهم بالشفاء . . .وها هو (يحيى) لم يكمل بعد عامه السابع عشر يلفظ أنفاسه الأخيرة على مرأى من عيني المنتصر . . .لقد حملته القذيفة إلى العالم الآخر، وهو في طريقه لنقل أم مع أولادها إلى مكان أكثر أمنا . . .كان على منتصر أن يغمض عيني (يحيى) ويترك جرحه ينزف مسكا، ويلتفت إلى جريح آخر قد وصل الآن . . .ما أعظم تلك القلوب التي تقف في وجه الذعر والألم والموت وسلاحها فقط (لا إله الا الله وحده لا شريك له وهو على كل شيء قدير)يوما ما ستنتصر الثورة وتعود الحياة إلى أحلى ممَّا كانت عليه، ولكن القلوب التي تألمت لن تنسى آلامها أبدا . . .نحن من اخترنا دور المشاهد الواقف بعيدا، فحري بنا أن نجعل من قلوبنا حبات لنزين بها صدور أولئك الأبطال، فدماؤهم روت أرض سورية التي نسير عليها اليوم . . .