بشير جمال الدين |
أيام قليلة تفصل لحظة كتابة المقال عن موعد الاستفتاء الشعبي المزمع إجراؤه في إقليم كردستان العراق الذي يخضع لحكم ذاتي عملي منذ عام 1991م والذي أصبح رسمياً عام 2005م.
لتحديد مصير استقلاله عن العراق، استفتاءٌ تعارضه بشدة الحكومة المركزية في بغداد، وينقسم النظام الدولي بين مؤيد ومعارض له، هنا نستعرض خريطة المواقف الدولية الأكثر تأثيراً في مستقبل العراق.
المواقف الدولية، وأوراق الضغط والدعم:
تركيا التي يبلغ عدد الأكراد فيها خمسة عشر مليون نسمة بنسبة 20 بالمئة من عدد السكان الإجمالي تعتبر من الدول التي وطَّدت علاقات جيدة مع الأكراد، ويربطها مع أربيل استثمارات اقتصادية كبيرة وعلاقات دبلوماسية جيدة تبرز في زيارات مسعود بارزاني المتكررة لإسطنبول، إلا أنَّها تعارض استقلال الأكراد معارضة تامة وتعتبره تهديداً خطيراً لأمنها القومي، وذلك بسبب جذور الخلاف بين الأتراك والأكراد الذين لديهم طموحات انفصالية لو نجحت فقد تغذي رغبات الأكراد في تركيا بالانفصال أيضاً … وقد كانت المخاوف التركية من المشروع الكردي في سورية دفعتها لخوض عملية عسكرية في سورية تحت مسمى درع الفرات لوضع حدٍ لمطامع الأكراد التوسعية في الشمال السوري.
فيما تَعتبِر إيران التي يعيش فيها عشرة ملايين نسمة، بنسبة أحد عشر بالمئة من إجمالي عدد السكان، أول من اعترف بالحكم الذاتي المستقل للأكراد في العراق، وأول من افتتح قنصليتين في أربيل والسليمانية، تَعتبِرُ أنَّ الاستقلال التام عن الحكومة المركزية يعتبر حجرة عثرة في وجه مشروع الهلال الشيعي التوسعي. ولذلك فإنَّ إيران كما تركيا لا تفتأ تلوح بعصا الاقتصاد في وجه مسعود بارزاني، فإنَّ الأخير يعتمد بشكل رئيس في اقتصاد بلاده على تسويق النفط والغاز وموارد التجارة مع أنقرة وطهران.
نظام الأسد موقفه مشابه لموقف الحكومة المركزية في بغداد، فهو رافض تماماً لفكرة الاستقلال الذاتي؛ لأنَّ نجاح مشروع الاستقلال الكردي سيدفع بأكراد سورية إلى الانفصال عنها والانضمام لدولة كردستان، وبالتالي يكون النظام السوري قد خسر إلى الأبد حقول النفط التي يسيطر عليها الأكراد في مناطقهم.
ويلتقي الموقف السعودي والإماراتي والمصري في دعم استقلال الإقليم عن دولته الأم؛ وذلك بسبب اجتماع مصالحهم الاقتصادية كما في الإمارات التي يربطها بالإقليم استثمارات اقتصادية كبيرة في عدة مجالات، والمصالح السياسية كما في السعودية التي تسعى لمخالفة محور (إيران- تركيا) خاصة بعد موقفهم الرافض لحصار قطر الذي تمارسه السعودية والإمارات والبحرين منذ 5 يونيو الماضي.
وقد نشرت صحيفة “يني شفق” المقربة من الحكومة التركية مؤخرًا ما يفيد بوجود تنسيق سعودي أمريكي إماراتي لدعم حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (PYD) في المناطق الموجود فيها بسورية، وذكرت الصحيفة أنَّ اجتماعاً عُقد في مدينة الحسكة بغية تحديد استراتيجية مشتركة لمستقبل النفط السوري، وقد تم اختيار ممثلي العشائر العربية من الداخل السوري من قبل الرئيس السابق للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية أحمد الجربا المحسوب على أبو ظبي، بينما اختار القيادي المفصول من “حركة فتح” محمد دحلان الشخصيات السورية من الخارج.
فيما توافق مصر على الاستقلال، وذلك في محاولة للعب دور الحليف الدبلوماسي في ظل عدم وجود أي ورقة دعم بيد نظام السيسي.
دولة الاحتلال الإسرائيلي لم تغرد خارج السرب، فهي تلعب دوراً كبيراً في دعم الأكراد منذ ستينات القرن الماضي كما يذكر تقرير لمجلة «فورين بوليسي» الأمريكية : “إنَّ إسرائيل حافظت على علاقات سرية عسكرية ومخابراتية وتجارية مع أكراد العراق منذ ستينيات القرن الماضي، بصفتها حاجزًا ضد أعدائها العرب في المنطقة” وقد تجلى الموقف واضحاً في تصريح رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، خلال المؤتمر السنوي لمعهد أبحاث الأمن القومي في تل أبيب: “الأكراد هم شعب مقاتل وعصري، ولهم الحق في الاستقلال السياسي”.
فمن لوازم كسر العزلة العربية عن إسرائيل إيجاد دول أقليات غير عربية في المنطقة ضمن عقيدة ((تحالف المحيط)) التي تنتهجها دولة الاحتلال في بناء علاقاتها وتحالفاتها في المنطقة.
ويعتبر أيضاً دعم الأكراد إسرائيلياً عامل ضغط إضافي على تركيا التي يربطها بإسرائيل علاقة توازن قلق جداً قد يزيدها توتراً أي إجراءات تصعيد في المسجد الأقصى أو قرار جديد لبناء المستوطنات.
وتسعى إسرائيل جاهدة لاختلاق دولة مستقلة للأكراد؛ لأنَّها ستكون دولة توسعية قومياً طموحة لضم مناطق الوجود الكردي في دول الجوار تشمل: شرق تركيا، وغرب وشمال غرب إيران، وشمال وشمال شرق سورية لتدخل هذه الدول في حركات انفصالية داخلية تفتت بنية الشعب وتشغلها بمشاكلها الداخلية.
الموقف الألماني كان حازماً في رفضه لإجراء الاستفتاء، ويَعتَبِرُ الأكراد خسارة الشريك الألماني خسارةً كبيرةً، فألمانيا أحد أكبر الداعمين لأكراد العراق بالسلاح والتجهيزات العسكرية.
ويخالف الموقف الأمريكي موقف حليفه التقليدي في الشرق الأوسط معتبراً أنَّ أي إجراء لا يخدم إنهاء تنظيم الدولة في المنطقة هو إجراء يشتت الجهود، ولذلك موقف البيت الأبيض رافض تماماً لعملية الاستقلال كما نقلت صحيفة “الشرق الأوسط” عن مصادر قولها: “إنَّ السفير الأمريكي في العراق دوغلاس سيليما» قدم ثلاثة خيارات لأكراد العراق، تُظهر رفض واشنطن لإجراء الاستفتاء، وهي: الخيار الأول هو عدم إجراء الاستفتاء وعدم تحديد موعد آخر، وفي هذه الحالة يستمر الدعم الأمريكي للكرد، والثاني إجراء الاستفتاء داخل أراضي الإقليم فقط، وستحصلون على سكوت أمريكي، والثالث، وهو أخطرها، إجراء الاستفتاء داخل الإقليم وخارجه، وفي هذه الحال يتحمل الكرد وحدهم مسؤولية ذلك، ولا يحصلون على أي دعم أمريكي، حتى لو تدخلت بغداد أو إيران عسكريًا.
فالبيت الأبيض يرى أنَّ الأولوية في هذه المرحلة هي التركيز على قتال تنظيم الدولة.
ويتفق الموقف الأمريكي مع خصمه التقليدي روسيا في رفض عملية الاستفتاء التي قد تفضي إلى قرار بالانفصال وتشكيل دولة كردستان العراق المستقلة؛ لأنَّ روسيا تحتاج بعض الوقت لإتمام العملية العسكرية في سورية، وإنَّ أي تغيير في توازنات الساحة الإقليمية قد يؤدي إلى انهيار للأوضاع الأمنية تمتد لتشمل مناطق أخرى في الشرق الأوسط.