يُقرر البعض أن الأخلاق والسياسة من الصعب أن يجتمعا، فحيث تُوجد السياسة تختفي الأخلاق، وهذا ما يجعل الكثيرين يبتعدون عن العمل السياسي حفاظاً على أخلاقهم من الكذب والمراوغة السياسية، وخداع الناس و … إلى آخره ممَّا تُتهم به السياسة من صفات الاحتيال واللف والدوران.
أعتقد أن الأخلاق ليست مطلقة تماماً ولا نسبية تماماً، أو على الأقل هكذا يجب أن تُفهم ضمن الإطار السياسي لكيلا يتحول الفعل السياسي إلى فعل منافٍ للفضيلة، ويتسلط عليه فقط شرار الناس؛ لأنهم لا يأبهون للأخلاق وبالتالي يتحول المجتمع بطبيعة قيادته من طبقة سياسية لا أخلاقية إلى مجتمع فاسد.
دائماً ما يتم طرح الجانب الأخلاقي كمجموعة من المبادئ المتصلة مع العقائد التي لا يمكن أن تقبل أي انقسام أو مراوغة، وهي في الحقيقة لا تصل إلى هذه القدسية؛ لأن الأخلاق هي الجانب العملي الذي يحقق مصلحة المبادئ والعقائد، وليست جزءًا من النص النظري الثابت الذي لا يقبل التغير.
أغلب الجوانب العملية في حياتنا هي جوانب مرنة، تتميز بالقدرة على التحول والتغير لتحقيق المصلحة التي أُوجدت من أجلها، فالمناهج الدراسية على سبيل المثال هي إحدى التجليات العملية التي تتصل بممارسة عملية التعليم وتحقيقها كغاية يهدف إليها المجتمع، لذلك هي تتغير دوماً من أجل الوصول إلى الأفضل وإلى تحقيق أهداف التعليم العليا التي أقرها المجتمع.
والأخلاق أيضاً وُجدت كي تحافظ على الفضيلة والخير في المجتمع، وهي أشياء يمارسها الناس ولا تحتفظ بمعانيها المجردة فقط كقيم أو فضائل، وأثناء الممارسة تتغير لتحقق مصلحة المجتمع الدائمة وسعيه للخيرية المطلقة. وهنا بالذات تتصل الأخلاق بالسياسة، في البعد الذي تتحول فيها من معناها المجرد إلى حالتها العملية، فالكذب على الأعداء هو الفضيلةـ وليس الصدق معهم، كما أن الاحتيال في المفاوضات لتحصيل الحقوق هو الخير الذي يريده المجتمع بدلاً من الصرامة والوضوح مع الآخر، وربما في أمثلة عديدة يتضح أن الممارسة الأخلاقية في أصلها هي ممارسة سياسية في أصلها؛ لأن غاية السياسة والأخلاق واحدة وهي خيرية المجتمع الذي تقوده ومصلحته.
المدير العام | أحمد وديع العبسي