نارمين خليفة |
الصحة النفسية هي تلك التصور الإيجابي للسلوك المتكيف الذي يؤمن بفاعلية الفرد وبقدرته على التأثير والتأثر بالاستجابات السلوكية المختلفة في شتى مجالات الحياة، وفي حدود الطبيعة الإنسانية مع مراعاة المجتمع ومعاييره.
ولكن ماهي العوامل المؤثرة على الصحة النفسية؟ هل تمتعنا بالسواء أم تعرضنا للمرض النفسي هو نتيجة الجينات التي ولدنا بها؟ أم هي نتيجة تأثيرات بيئتنا المحيطة؟
تُعدُّ العوامل الجينية مُحدِّدًا مهمًا في الاستقرار النفسي للإنسان، إذ لصحة الجهاز العصبي، وإفراز الغدد الصماء دورٌ أساسي في صحة الإنسان النفسية، لكن في كثير من الأحيان تلعب المثيرات البيئية الدور الأكبر في استثارة الجهاز العصبي أو الإفرازات الغدية، فيحدث الخلل في الاستقرار النفسي، لكن ماهي هذه المثيرات والعوامل البيئية؟
تشمل جميع المؤسسات التي يتفاعل معها الطفل منذ ولادته وحتى رشده (الأسرة والمدرسة والأقران ومؤسسات المجتمع المدنية والدينية)، بالإضافة إلى الظروف الجديدة والأحداث الصادمة والضاغطة.
تشكل الأسرة، وبحكم طول مدة الطفولة، مقارنةً بباقي الكائنات، الوسطَ الأول الذي يتفاعل فيه الطفل، والأكثر أهمية وتأثيرًا في بناء شخصيته، ففي بيت والديه يتلقى الطفل الحب والحنان والدفء العاطفي، أو يتجرع مرارة الحرمان والإهمال، ومن خلال تدريبهم وتقليدهم يتعلم كيف يتعامل مع الآخرين، وكيف يبني علاقات طيبة أو مَرَضية معهم.
حيث تُجمع أدبيات التربية وعلم النفس على أن سنوات الطفل السبع الأولى هي مشتل الشخصية، حيث يبذر الأهل فيها بذور الحب والاستقرار والتقبل والثقة بالنفس، لينتقل إلى حديقة المجتمع مزودًا بالخبرات والمهارات التي تساعده لأن يكون فردًا فاعلاً.
ولكن هناك مجموعة من الأساليب تتبعها الأسر في تربية أطفالها، حيث تتركهم عرضة للمخاوف والصراعات، بالإضافة إلى عدم تهيئتهم لمواجهة الواقع مستقبلاً، وتُعدُّ تلك الأُسر منتجةً للمرض النفسي، وتكون على عدة نماذج.
النموذج الأول (الصرامة، والتسلط): حيث يسيطر الأهل على جميع حركات الطفل، ويتم الحد من حريته وانطلاقه ومواجهته بالتهديد والوعيد والعنف المستمر، فيصبح الطفل غير قادر على تحمل المسؤولية في خوف مستمر من ردة فعل أهله، كما يفقد ثقته بنفسه، بالإضافة إلى اتسام شخصيته بالخضوع والاستكانة، وقد يكره الطفل نفسه ويظن أنه شخص غير طيب حتى تحل عليه هذه النقمة.
النموذج الثاني: هو التسامح والتساهل المفرط في تربية الطفل، وهو عكس التسلط، حيث تعم الفوضى المنزل ويتم التغاضي عن جميع الأخطاء، وهكذا يتعود الطفل على عدم تحمل المسؤولية والتعلق الزائد بالأم، إضافة إلى عدم النضج الانفعالي، فهو لم يتعود على الإحباط ومواجهة مصاعب الحياة.
أما النموذج الثالث: هو الحماية الزائدة، وتكون بالخوف الزائد على الطفل والقيام بدلاً عنه بجميع واجباته ومنعه من مخالطة الآخرين خوفًا عليه، فينشأ الطفل محبطًا يعاني من خبرات الفشل، اعتماديًا غير قادر على القيام بأي عمل وغير قادر على مواجهة مشكلات الحياة، ومنعزلاً ليس لديه علاقات اجتماعية مع محيطه.
أما النموذج الرابع فهو طموح الآباء الزائد: فيهتمون بتحصيل أبنائهم، ويدفعونهم دفعًا في أعمالهم المدرسية دون مراعاة قدراتهم أو إمكانياتهم، فيصبح الطفل قلقًا من نتائجه خائفًا من ردة فعل أهله، وقد يتجه الطفل للمقاومة السلبية أو العدوان.
أما عن حرمان الطفل فهو واقع مرير يعاني منه الأطفال في مجتمعنا، حيث قدرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة اليونيسف أن أكثر من مليون طفل سوري قد أصبح يتيمًا خلال الحرب، وهذا قد يتسبب في تعطيل النمو الجسمي والذهني والاجتماعي لديه .
تتفاعل تلك الآثار النفسية التي تتركها التنشئة الوالدية الخاطئة مع أحداث الحياة الضاغطة، فتجعل الطفل أقل قدرة على التكيف مع الظروف الجديدة وأكثر عرضة للإصابة بالمرض النفسي.6.63