بقلم أحمد وليد بربورإنَّ الإسلام وريث الأديان السماوية، تشبَّث بمثالياتها واحتضن المبادئ الإنسانية الرفيعة فيها…فكان مسلمو الأمس يبعثرون في طريقهم الأزهار والآمال، لتلحق بهم الشعوب الأخرى لتتعلم وتستفيد.فكان جهادها المنشود لإنعاش أمة وقعت في غيبوبة طويلة، فالعالم يأخذ بيد الجاهل، والمتقدم يساعد المتخلف، إلى أن تراكمت الأخطاء والأهواء، وشرعت القافلة المندفعة تخلد إلى الراحة والعجز، فبتنا نسمع صيحات جهاد هنا، وآخر هناك، جهاد أعمى لا يعرف علل أمتنا في القديم والحديث، جهاد يفرق ولا يجمع، فاته الكثير في ميادين السلام والقتال على حد سواء، جهاد يسرع بالجماهير إلى الفتن، وآل المسلمون إلى ما نرى.ولا مجال لهذه الأمة إلَّا بالعودة، فيستأنف المتوقفون سيرهم الراشد، وتُداوى العلل العارضة بأسس يتذكر فيها الناس، فينتظم الفوضوي، ويقتدر العاجز، ويهتدي الحائر، إنَّه بذل قد يتطلب من الصمت أكثر ممَّا يتطلب من الضجيج.فهذه الأمة ستزاحم غيرها من الأمم على صعيد الأرض، والأمم لا تتقدم بالأماني الجوفاء، وهي لن تغلب وتسبق دون مؤهلات، وأسباب الغلب كثيرة، فكرٌ دون فكرٍ، إنتاجٌ دون إنتاجٍ، شعب أنشط من شعب، بلد أنظف من بلد … إلخ.فمن أغرب ما وُصف به سلف هذه الأمة بأنَّهم مزرعة خصبة مثمرة، والزرع يبدأ خامات رخوة متناثرة، ثم ينمو ويتكاثر وينضم بعضه إلى بعض، ثم تشتد أعواده ويستوي على سوقه: «كزرع أخرج شطئه فئازره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع» «س الفتح الآية 29».فالزرع يحتاج إلى عناية وسقاية وحراسة، ولا ينضج ويؤتى أكله إلا بعد يقظة وجهد،فهذه الأمة لا تنمو مواهبها، وتكتمل قواها، وتقدر على أداء رسالتها إلَّا بعد تربية بصيرة وتدريب ذكي وصبر على المشوار الشاق.عيبُ المسلمين اليوم أنَّهم لم يعرفوا القرآن ثقافة تنبِّه العقول النائمة، بقدر ما هو ترديد للألفاظ والأنغام وحسب.فهل ينشأ حصاد وفير من زرع خرج من تلقاء نفسه، لم يلق قسمًا كبيرًا من الاهتمام والتعهد؟أقول وأنا أنظر إلى الجماهير المسلمة في وقتنا الراهن: ترى أتغيظون الكفار أم أنهم يضحكون على ما نحن فيه؟ فنحن الفقراء إلى من يقدم لنا الرغيف، فكيف سنستطيع ملء القلوب بالهدى؟! هل أتحدث بخيال سقيم، أو أنَّ الآمال انعقدت على الجهاد كونه دفاع عن الأرض والعرض والحاضر والمستقبل والتاريخ والشخصية والدين والدنيا، أو أنَّنا لم نعرف ميادين أخرى أخطر من ميادين الحرب الساخنة والقتال يمكننا فيها أن ننصر الله ورسوله؟!في ميدان الإعلام أو بلسان الشرع في ميدان الدعوة توجد مليارات من الناس سيئة العلم بالإسلام، وما الصحف الغربية وما تنشره بعيدة عن متناول أيدينا، تفترس شبهات وخرافات حول ديننا البريء، فهلَّا أسهمتم في تبديدها؟في ميدان المال والأعمال تكاد الأديان الأخرى، تنفرد بزمام الحياة، وتؤثر في تياراتها سلبًا وإيجابًا، فهلَّا تحركتم لتمتلئ الأيدي بالشغل، ولتختفي من بينكمالبطالة، وليكون لكم صوت مسموع؟في ميدان العلم مدنيًا وعسكريًا، لا يُعرف لنا وجود، فهلَّا نافستم واستفدتم وأفدتم؟في ميدان السياحة والكشوف، نقل المتحركون عقائدهم حيث ذهبوا،فما نشره التجار العرب بأخلاقهم فاق بأضعاف مضاعفة ما ستطاع رجال الدعوة بجهادهم أن يصلوا إليه،فماذا حبسكم في أماكنكم؟في ميدان المساعدات والخدمات الاجتماعية، اجتهد كثيرون في تخفيف الآلام وتجفيف الدموع، وكسبوا قلوبًا تحفظ الجميل، فأين أنتم؟يؤسفني أن أقول إنَّنا أقوام مولعون بالثرثرة، وضعوا ملصقات سيئة على عقول الشباب بعد تجميدها بطريقة ما، ووجهوهم للحماس الأجوف والاشتباكات القاتلة، بدل أن يشغلوهم بالعمل الصالح، الذي يفيد دينهم وأمتهم.فليس الإسلام طلقة فارغة تحدث دويَّا ولا تصيب هدفًا، بل هو نور في الفكر، وكمال في النفس، ونظافة في الجسم، وصلاح في العمل، ونظام يرفض الفوضى، ونشاط يحارب الكسل، وحياة في كل ميدان.فكان مسلمو العالم الأول -بلغة عصرنا-يجتهدون فيخطئون، وينطلقون فيتيهون، وتلك طبيعة البشر، ولكنَّهم تعلموا من نبيهم حِكمًا جليلةً وفوائد عظيمة:» سددوا وقاربوا «،» استقيموا ولن تحصوا «فكانت حصيلتهم الإنسانية بعد الخطأ والصواب والشرود والاستقامة أربى من غيرهم وأثقل في موازينهم.لأنَّهم أقبلوا على الإسلام وسلموه زمامهم فجعلهم أئمة في اﻷرض، فقد كانوا ينتمون إليه وحده….