لا بدّ لأجل السير على طريق التغيير الاجتماعي والسياسي من العمل على التغيير الفكري والثقافي، واستهداف المفاهيم في عملية التغيير، كي يكون هذا التغيير منتميًا للثقافة وللهوية الأصيلة للمجتمعات وليس ناسفاً لها، لا بدّ أن يعتمد مرجعيات واضحة تنطلق من فهم التراث والموروث الحضاري للأمة، وتحديد القيم المشتركة والمبادئ والإطار الفلسفي الواسع للمجتمعات المستهدفة.
علينا أن نعمل على استخلاص منهجيات عمل من التجارب السابقة أكثر من اتكائنا على محاولة فهم التجارب وسردها فقط.
كما يجب أن تتشكل محركات العمل من خلال الفرص المتاحة أثناء عملية التغيير لأن الانتظار من أجل توفير الممكنات سيقف حجر عثرة حقيقي أمام هذه العملية خاصة في حالتنا السورية المتسارعة في التقلب التي تتشكل ضمن ضغوطات كبيرة في المجالين الاجتماعي والسياسي بالدرجة الأولى، ثم بتأطير عوامل القوة في مجالات العسكرة والاقتصاد.
في جلسة نقاشية حضرتها مؤخراً، تمّ التأكيد على أن الوقت ليس في صالح أحد، بما يخص العمل على إعداد الناس لعملية التغيير ليكونوا أدوات فاعلة وحوامل حقيقية له في المدى المنظور، فلا بدّ من العمل لإعداد الإنسان الجديد أو نموذج النهضة أثناء الصراع المحتدم وليس تأجيله لما بعد انتهاء الصراع، أو الاكتفاء بالعمل على القواعد التي ربما تنجح في تصدير نوع من التغيير بعد عقد أو عقدين من الزمان، وربما جيل كامل أو جيلين.
إن الوقت كقيمة حاكمة للتغيير ربما صار من الممكن السيطرة عليها أو إخضاعها جزئياً على الأقل بتأثير الأدوات العصرية والتطور التقني والإعلام إذا ما تم التركيز على هذه الأدوات كأحد الممكنات المهمة والمتاحة وعدم إهمالها.
كما أنّ الاعتماد فقط على تربية القواعد (في البعد المرحلي) يترتب عليه عائقان خطيران للغاية، الأول يتمثل في غربة هذه القواعد عن عملية التغيير إذا لم يتم خرطها بشكل مباشر فيها، وتحولها لشكل تنظيري خالص يبحث عن المُثل والمطلق في عملية التغيير بعيداً عن العملاتية الفاعلة.
والعائق الثاني سهولة استقطاب هذه القواعد إذا لم تكن واعية لما تُحضر من أجله ومنخرطة عمليًّا في العملية من قبل تيارات أخرى تملك القوة القاسية، المتمثلة بالاقتصاد والعسكرة، وخاصة في وضعنا الحالي الذي تغيب فيه عنَّا ممكنات هذه القوة.
من أجل ذلك لا بدّ من العمل أصلاً على زجِّ القواعد في عملية بناء الممكنات بدل انتظار توفرها، وإدخالهم التحدي من البداية، ممَّا يوفر لهم انتماء أكبر للمشروع لأنهم مساهمون في صناعته.
المدير العام | أحمد وديع العبسي