سارة الأمين |
منذ أن بدأت حملات التهجير في المناطق المحررة سواء من مدينة حلب أم الغوطة الشرقية وريف حمص الشمالي وبقية المناطق التي هُجِّر أهلها، بدأت أعداد كبيرة من النازحين بالتوافد إلى الشمال السوري وهي منطقة (درع الفرات وغصن الزيتون) كونها مناطق آمنة خاصة في ظل الوجود التركي، ومنطقتي درع الفرات وغصن الزيتون (نسبة إلى اسمي المعركتين التي أطلقتهما تركيا إبان السيطرة عليهما) تقعان في الريف الحلبي الممتد من الباب شرقاً حتى عفرين غرباً، فكان هناك خياران للنازحين إلى تلك المنطقتين: إما السكن في المخيمات أو في منازل ضمن هذه المناطق.
في منطقة درع الفرات تتفاوت أسعار إيجارات المنازل، وذلك حسب مساحتها وعدد غرفها وحسب موقعها، فإن كانت قريبة من الأسواق تكون مرتفعة وإن ابتعدت عنها تنخفض، كذلك الأمر بالنسبة إلى مراكز المدن والقرى المحيطة بها، لكن لو انخفضت أسعار الإيجارات نتيجة البعد تبقى دون المستوى المأمول، وتتفاوت أيضًا بحسب المُؤجِّر، فهناك مؤجرون يرون منازلهم باب استثمار لزيادة الدخل وتحقيق الاستفادة، وهناك من يرأف بوضع المستأجر كونه نازح لا يملك إلا قوت يومه وهؤلاء قليلون قياسًا على الوضع العام.
السيدة (منى حسن) إحدى المستأجرات في منطقة درع الفرات تقول لصحيفة حبر: إنها حين تقوم بالبحث عن منزل للإيجار فإن أهم سؤال تتلقاه من المؤجرين هو عدد أفراد الأسرة، وذلك خوفاً على منازلهم من خرابها، وأيضاً سؤالهم عن المبلغ الذي بإمكانها دفعه، فحسب المبلغ يتم تأجيرها، تضيف السيدة منى: ” أنا تركت منزلي منذ خروجي من مدينة حلب، وتنقلت في منطقة درع الفرات من منزل إلى منزل، وحالياً أسكن في المنزل الخامس، وكان لكل منزل استأجرته معاناة، منها مساحة المنزل الصغيرة والرطوبة؛ وذلك لأنني أدفع مبلغًا لا يمكنني من استئجار منزل بمواصفات جيدة “
السيد (أبو تيم) أحد المستأجرين في منطقة درع الفرات أيضاً يقول: “إيجارات المنازل في منطقتي باهظة الثمن، يصل الحد الأدنى للمنزل إلى مئة دولار أمريكي كون هذه المناطق لا تتعامل إلا بالدولار، فالفرد الذي دخله مئتي دولار لا يمكنه أن يؤمن مصروف معيشته مع هذه الأسعار.” يضيف قائلاً:” استأجرت ستة منازل، وكان أقل سعر 125 دولار، وهو منزل ليس بمواصفات جيدة ومكون من غرفتين فقط، وهناك منزل استأجرته بـ 250 دولار وكان وضعه جيداً، كما يقال: سوبر ديلوكس “
ويردف السيد (أبو تيم) “الأسعار غير منصفة أبداً، مما يضطر الشخص إلى الرضا بأي منزل مقابل سعره.” ويعقب قائلاً: “الشيء الذي دفعني إلى الاستئجار في منطقة درع الفرات أنها أصبحت آمنة رغم وجود المفخخات والتفجيرات، ولكنها أكثر أمناً من الريف الغربي وإدلب. “
عند سؤال أحد (السماسرة أو الدلالين) عن سبب ارتفاع الأسعار في مناطق درع الفرات وغصن الزيتون أجاب: ” كثرة النازحين تدفعنا إلى رفع الأسعار، حيث يكثر الطلب على المنازل، وذلك هرباً من مناطق القصف، وعند مجيئهم يَقبل النازحون بأي منزل وبأي سعر، وهذا ما يجعلنا نستفيد في رفع الأسعار.
يوجد لدينا منازل من كافة الأسعار، حيث تحتوي المنازل ذات 100$ على غرفتين ومنافعهما، وتتفاوت الأسعار حتى 250$ وبالطبع المنزل يكون أكثر غرفًا، حيث يكون أربع غرف وبإطلالة ممتازة.” على حد زعمه، ويقول أيضًا إن الفائدة التي تأتيه من عمله تختلف حسب آجار المنزل، مع العلم أن المستأجر لا يستطيع دفع الأجر عند نهاية كل شهر أو بدايته، بل يكون على دفعات إما كل ثلاثة أشهر أو ستة أشهر أو سنة.
وينهي كلامه قائلًا: “لا نستطيع تخفيض الأجور لأننا (حسب السوق بدنا نسوق)”
إذًا السمسار يعدُّ إلى جانب صاحب البيت سببًا في رفع الإيجارات، وصرح دون تورية أن النازحين بحاجة وهم سوق بالنسبة إليهم، وبالتالي لا تعاطف معهم إنما استغلال واضح.
أما عن منطقة غصن الزيتون فهي لا تختلف كثيراً عن سابقتها، حيث تعتبر من النواحي المهمة في ريف حلب الشمالي، فهي نقطة وصل بين منطقة أعزاز والريف الغربي وإدلب، ويُعد أغلب النازحين فيها من الغوطة الشرقية، حيث صادف وقت تحرير منطقة غصن الزيتون من قوات سورية الديمقراطية موعد تهجير سكان الغوطة الشرقية منها.
تقول السيدة (زهراء محمد) إحدى المستأجرات في منطقة غصن الزيتون: إنها وجدت صعوبة كبيرة في البحث عن منزل، لدرجة أنها تعرف عائلات استقرت في منازل لا يوجد فيها إكساء وغير صالحة للعيش (بيوت مكشوفة، بيوت ذات طوابق عالية، بيوت تعاني من الرطوبة كالأقبية)، تضيف زهراء قائلة: ” لقد سكنت في بيتين ، الأول كان تابعاً للجيش في منطقة غصن الزيتون، والآخر استأجرته عن طريق مكتب عقارات، حين كان الإيجار بين أربعين وسبعين دولار. “
وتتمنى السيدة (زهراء) أن يتم مراعاة بعض العائلات غير القادرة على دفع المبلغ المطلوب، وتقدير وضعهم و مساعدتهم، كونهم خرجوا من بيوتهم دون أن يحملوا معهم شيء.
يرى البعض أن إيجارات البيوت في منطقتي درع الفرات وغصن الزيتون تتعدى إيجارات المنازل في تركيا أو تقاربها، مع العلم أن تركيا أكثر أمناً ودخْل الفرد فيها يكون أعلى من مناطق درع الفرات وغصن الزيتون، وتتوفر فيها كافة الخدمات التي تكون غائبة في مناطق الشمال السوري كالكهرباء والماء والغاز وغيرها.
(محمد الحسين) رجل يعمل في إحدى ورشات الخياطة في مدينة غازي عنتاب التركية، يصل دخْله في الشهر الواحد إلى أكثر من ألف وستمائة ليرة تركية، ويعيش في منزل يصل إيجاره إلى خمسمئة ليرة تركية، ويقول: ” أعيش بمرحلة اكتفاء والحمد لله، والمنطقة التي أعيش فيها من المناطق الجيدة في مدينة غازي عنتاب، وأقوم بدفع إيجار منزلي شهرياً، ولكن يوجد بعض المنازل التي تطلب دفع الإيجار كل ثلاثة أشهر. “
فارق كبير في إيجارات المنازل بين المناطق المحررة الآمنة في الداخل التي يصل فيها الإيجار إلى 250 دولار، وغير الآمنة كإدلب وريفها وريف حلب وغيرها والتي لا يصل فيها إيجار المنزل إلى أكثر من خمسين ألف ليرة سورية وفي أحسن الأحوال إلى 150 دولار لأفضل بيت، تلك الفوارق عمَّقت من جراح النازحين الهاربين من جحيم طائرات النظام السوري وروسيا، وكل ذلك الارتفاع لأسباب لا تخرج عن إطار الاستغلال والجشع خلا الشرفاء المتعاطفين مع النازحين وهؤلاء باتوا قلة. ما جعل البعض يقارن أسعار الإيجارات في الشمال مع تركيا الجارة التي فيها البيوت أرخص، لكن هيهات أن تصل إليها عائلة هاربة من جحيم القصف. فإلى متى ستبقى إيجارات البيوت دون مراقبة ومعالجة خاصة أثناء وجود موجات نزوح نتيجة قصف النظام وروسيا؟!