علي سندة |
ربما لا يعرف السوريون المعارضون لنظام الأسد أن شهر (نوفمبر) من كل عام، هو شهر إعلان تشكيل الجسم السياسي الذي (يمثلهم) بشكل أو بآخر منذ أكثر من ثماني سنوات، حين أُعلن من الدوحة بقطر يوم 11 نوفمبر 2012 تشكيل ما يُسمى (الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة)، الذي نتج بعد توحيد القوى المعارضة لنظام الأسد بجسم واحد تخللها محادثات عدة بين الأطراف المعارضة وقتها، إلا أن هذا الجسم السياسي طوال تلك السنوات لم يلقَ القَبول لدى الحاضنة الشعبية التي يُمثلها سياسيًا، فبعد أكثر من ثماني سنوات على الائتلاف يزداد الشرخ بينه وبين القاعدة الشعبية بدل أن يتقلص ويُردم، ويمكن اختصار ذلك بـ (الشرعية السياسية)؛ التي تشكل حجر الأساس بين أي جسم سياسي وبين الشعب، فهي الأسس التي تعتمد عليها الهيئة الحاكمة في ممارستها السلطة وحقها بذلك، لكن شريطة تقبل المحكومين لهذا الحق، وتعليل ذلك أن حجر الأساس في كسب صفة الشرعية مرتبط بالتوافق بين المبادئ العامة والأفكار السياسية التي تعمل بها الهيئة السياسية وتروج لها، وبين قناعة القاعدة الشعبية وقيمها وأهدافها، وإن لم تكن كذلك تنتفي الشرعية.
وبالنسبة إلى شرعية الائتلاف السياسية أمام الحاضنة الشعبية، يُفترض أنها ناتجة من (شرعية ثورية)، والثورة تستمد شرعيتها من نفسها وليس من أي قانون وضعي؛ لأن الثورة حالة فوضى لا تعترف بالقوانين ولا تخضع لأحكام القضاء، لذلك يُفترض أن تكون (شرعية الائتلاف الثورية) مُستمدَّة من الإجماع أو شبه الإجماع الثوري عليها.
لكن الحقيقة أن شرعية الائتلاف الثورية لم تأتِ من الإجماع الثوري أو شبهه، لأنه تشكل في ظروف سياسية واقعية محكومة بتجاذبات الدول وموقفها من الثورة السورية والإيديولوجيات الموجودة فيها، وبالتالي هو ذو (شرعية دولية) فقط، بدليل رفض شبه كلي من الحاضنة الثورية إبّان إعلان التشكيل منذ ثماني سنوات وخروج مظاهرات ذات صبغة سلبية تجاهه، وامتداد ذلك الرفض حتى يومنا هذا بأشكال متنوعة بدءًا من عدم رؤية الحاضنة الشعبية أي إنجاز سياسي إيجابي يتماشى وأهدافها لتثني عليه في الساحات وتقول إن الائتلاف الوطني يمثلني، ورؤيتها ما جرَّه عليها مسلسل آستانة بحلقاته الأربع عشرة من ويلات التهجير عقب كل هدنة واجتماع، ولجنة المفاوضات العليا، وسلبية ملف المعتقلين إلى الآن، واستمرار القصف والتهجير وفقدان المناطق، بل والابتعاد عن الداخل وعدم الاهتمام لحال المهجرين، ومؤخرًا قرار إصدار “لجنة الانتخابات العليا” والتراجع عنها مؤقتًا وليس إلغاؤها، ولولا الضغط الشعبي لما تراجع الائتلاف عنها.
الائتلاف الوطني بات واقعًا سياسيًا بشرعية دولية دون شرعية ثورية مصدرها الحاضنة الشعبية الثورية، وهذا سبب الشرخ والانفصال بين الجناح السياسي للمعارضة والجناح الثوري على الأرض، إذ إن الحاضنة الشعبية لم تلمس من الائتلاف العمل على إنجاح الثورة والقتال سياسيًا بما يتماشى وأهدافها، بل لم يوجه الائتلاف خطابات تُوضح ما يمكن إيضاحه ممَّا يعمل عليه في إطار الشرعية الدولية لكسب الحاضنة الشعبية فكل شيء غامض بالنسبة إلى الشعب؛ وهذا أقل ما يجب فعله من قبل الائتلاف وما تتطلبه مرحلة إسقاط النظام بشكلها الحالي، وإذا كُتب الانتقال إلى المرحلة الانتقالية يجب الدفاع عن الثورة ومنع بقايا النظام من الالتفاف على تضحيات الشعب وإعادة إنتاج النظام القديم، فهل يدرك الائتلاف بأي مرحلة هو ويوضحها للحاضنة الشعبية الثورية لمدّ جسر الالتقاء بها؟! وهل يعي أنه حتى لو امتلك الشرعية الثورية وعمل على إيجادها أنها ستنتهي بانتهاء الفترة الثورية أو المرحلة الانتقالية؟! أم أنه يتعامل مع الملف كما يقول العامة في المثل الشعبي: “يلي بتزوج أمي بقلو يا عمي”