نارمين خليفة |
إنه السبب الرئيسي للعجز في أنحاء العالم، يتقدم على أمراض القلب والشرايين وهو المساهم الرئيسي في العبء العالمي الكلي للمرض، ويؤثر على أكثر من 300 ميلون نسمة، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، كما أنه السبب الاهم لحالات الإنتحار ، وحسب المنظمة فإن نسبة الإصابة به في العالم بلغت 7%، إنه الاكتئاب أكثر الأضطرابات النفسية شيوعاً .
فما هو الاكتئاب وماهي أعراضه؟
يصنف الاكتئاب كأحد اضطرابات المزاج، حيث يؤثر وبشكل رئيسي على المزاج فيشعر الفرد بحزن مستمر وبانعدام الرغبة والمتعة في الأنشطة التي كان يحبها فيما مضى، كما يشعر الفرد بمشاعر الدونية وجلد الذات، كما يشعر الفرد بانعدام الأمل وتسيطر عليه الأفكار السوداوية والتشاؤم، وقد يرافق هذه الاعراض مشاكل في النوم وخلل في الشهية، بالإضافة إلى آلام جسدية مختلفة لا يجد الفرد لها أي تفسير طبي، ويمثل العرض الأهم والذي يجعل الاكتئاب خطراً كبيراً على الفرد هو عجزه عن القيام بوظائفه الحياتية والمهنية بشكل تام.
العوامل والأسباب:
ترجع العوامل المسببة للإكتئاب بشكل تقليدي إلى خلل في كيمياء الدماغ تؤثر على النواقل العصبية والتي بدورها تؤثر على العواطف والحالة المزاجية، فانخفاض مستويات السيروتونين في الجسم يؤدي للإكتئاب والميول الانتحارية والغضب وصعوبات النوم والصداع النصفي، لكن مع ازدياد الأبحاث تبين أنه ورغم إعطاء المريض أدوية تعدل نسبة السيروتونين في الجسم لم يحدث الشفاء، مما يؤكد أن هناك أسباباً أكثر تاُثيراً على الإنسان تودي به إلى الإكتئاب، وهذه الأسباب هي العوامل الاجتماعية والبيئية التي يتعرض لها الفرد في مسيرة حياته، فالظلم الاجتماعي بكافة أشكاله من انعدام فرص التعليم والعمل والحياة الكريمة، إلى الاستبداد والاستغلال بالإضافة للعلاقات الاجتماعية المرضية، والضغوط الحياتية والاجتماعية كلها عوامل مهمة تجعل الاكتئاب استجابة تكيفية للمحن والضغوط التي يعاني منها الفرد في زمن التكنولوجيا والحداثة، حيث يفقد الانسان يوماً بعد يوم قيمته الإنسانية ليتحول لـأداة تسعّر فيها الحروب وتُستهلك بها البضائع .
وإذا ما عدنا للسياق السوري فإننا نرى أن الصحة النفسية لم يتم إيلائها الأهمية التي يجب، فالأنسان الصحيح نفسياً هو الفاعل اجتماعياً ووطنياً ، وبعد الحرب المستمرة منذ 9 أعوام ومع ازدياد الضغوط والصدمات التي عاينها جميع السوريين ومن مختلف الفئات العمرية، ترتفع نسب الإصابة بالاضطرابات النفسية بشكل كبير وهذا شيء طبيعي كما أسلفنا بأن الاكتئاب وغيره من الاضطرابات النفسية هو استجابة تكيفية للظروف القاسية التي يعيشها الشعب السوري (قتل، تهجير، فقر، تغير وتفكك البنى الاجتماعية، الأعاقات، تردي الأوضاع الاقتصادية، استمرار تردي الأوضاع الأمنية، عدم وجود أفق للحل وعدم وجود أمل، الجوائح والأمراض، وتردي الخدمات الطبية ).
وفي ظل هذا الواقع الصعب ماهي الحلول المتاحة للتخفيف من وطأة الاكتئاب والاضطرابات النفسية الأخرى؟
تعمل منظمة الصحة العالمية على الاستجابة للمناطق المتأثرة بالحروب والكوارث، حيث ترتفع نسبة تعرض الأفراد للاكتئاب والاضطرابات النفسية في مقابل قلة المختصين العاملين على التصدي للأزمة النفسية من أطباء نفسين ومعالجين نفسيين وأخصائيين اجتماعيين، فقامت بتصميم برنامج رأب الفجوة بالصحة النفسية الذي تقوم به بتدريب الأطباء من مختلف الاختصاصات والممرضين على معالجة مجموعة محددة من الاضطرابات النفسية وهي الأكثر شيوعاً ومنها (الاكتئاب والذهان والخرف والصرع وثنائي القطب والاضطرابات النمائية والسلوكية لدى الأطفال بالإضافة لمشكلات تعاطي المواد المخدرة)، وتوفر الأدوية لعلاج هذه الاضطرابات بشكل مجاني، كما تقوم بتدريب خريجين العلوم الإنسانية من تخصصات التربية وعلم الاجتماع والفلسفة ليقدموا خدمات نفسية تنحو شيئاً فشيئاً نحو التخصص والمهنية.
هل هذه الإجراءات كافية؟
بالطبع تخفف هذه الخطط والبرامج من حجم المشكلة وتساعد أعداد كبيرة غير قادرة للوصول إلى خدمات نفسية تخصصية على التحسن والتعافي، ولكن تبقى كل البرامج عاجزة على انهاء المشكلة المتمثلة باستمرار الضغوط الاجتماعية والثقافية المتمثلة بنظرة المجتمع السلبية للمرض النفسي، وبالجهل المنتشر وبالعنف المتبع في التعامل مع الفئات الضعيفة والمهمشة، وبدون اعلاء لقيمة الإنسان وحصوله على حقوقه في العدالة والكرامة لايمكن تجاوز مشكلات هذا العصر المتأزم.