بينما يرى أفلاطون منذ 2500عام تقريباً في كتابه الجمهورية أن الحرية الحقيقية والإرادة الحرة تتمثل في السعي نحو الفضيلة، والالتزام بالأخلاق والعدالة، وأن النفوس الحرة هي نفوس تجنح للكمال، يرى منظرو الحريات اليوم أن الفردانية وإطلاق الرغبات والشذوذ هي مظاهر الحرية، وأن احترام هذه المظاهر هو المعبر الحقيقي عن الحرية والعلم المنفتح للجميع.
إن غالبية فلاسفة أثينا والعالم القديم وحتى فلسفة الأديان على اختلافها كانت تضع الشهوات والرغبات والغرائز في أدنى مراتب العبودية، فالعبيد عندهم ليسوا مجرد طبقة اجتماعية، وإنما هم أصحاب الأنفس المحكومة للغرائز والشرور، الذين لا يستطيعون مقاومتها، هؤلاء هم العبيد الذين ينتجون الدول المستبدة لأنهم لا يتطلعون سوى لإشباع الرغبات، وبالتالي ليست لديهم أنفس تتوق للحرية الحقيقية والفضيلة والكمال والعدالة.
إنه لمن العجيب اليوم هذا الانتكاس الحضاري الذي تمر به البشرية لتصعد طبقة العبيد لقمة العالم وتحكم الناس بالغريزة الحيوانية وبالشهوات وبالاستبداد الذي يقدس الثروة ويسعى لخدمتها بدلاً من جعلها في خدمة المجتمع والفضيلة.
إن فلاسفة اليوم هم فلاسفة العبودية والمال، وكل الآراء التي تمجد الغرائز وتسعى لإيصال العالم لحافة الهاوية باسم احترام الحريات، هي آراء تجنح لفلسفة الطغيان وصناعة الاستبداد، فكل ما زادت قيمة الشهوات والفردانية في العالم، ستنقص مقابلها قيمة الإنسان لأن القيمة العليا ستكون متجهة نحو الإشباع الحيواني في كل شيء، لا نحو العدالة، وهو ما يجب محاربته بإعادة الفطرة الإنسانية والفلسفات الأخلاقية لتكون حاكمة، ومحاربة الشذوذ بكل أنواعه وفي كل المجالات وإعادة تعريف الحريات كما يليق بالإنسان وكما تم تعريفها منذ الأزل حتى 20 سنة ماضية عندما بدأ الانسلاخ من الإنسانية إلى البهائمية هو أحد مظاهر الحرية.
المدير العام | أحمد وديع العبسي