يعتبر العديد من الخبراء، أن التسابق من أجل السيطرة على مسارات الطاقة، هي واحدة من الأسباب التي تفجر حروبا متتالية في سوريا.. حتى خلال مرحلة ما قبل الحرب في سوريا، ظل السباق من أجل بناء خطوط أنابيب في مواجهة لاثنين من أهم المشاريع السياسية الإقليمية: في الجهة الأولى نجد الممالك السنية للخليج العربي متحالفة مع تركيا؛ في منافسة للقوة الشيعية الإقليمية، إيران، جنبا إلى جنب مع سوريا والعراق.
كما أنه خلال الحرب الحالية في سوريا، تمثل واشنطن الجبهة الأولى، فيم تمثل روسيا الجبهة الثانية، التي تقدم الدعم لكل من النظام السوري وحلفائه الإقليميين. وفي هذا الإطار، يقول الخبير الأمريكي ميتشل أورنشتاين: “معظم الأطراف المتحاربة في الحرب السورية هي دول مصدرة للغاز، وبطريقة أو بأخرى تملك مصالح من أجل تمرير الغاز، إما القطري أو الإيراني، نحو أوروبا عبر سوريا”.
ومن ناحية أخرى، فإن السبب الرئيسي لتدخل العديد من الأطراف في الحرب السورية؛ لم يكن من أجل الظفر بالثروات الطاقية التي تملكها، بقدر ما كان من أجل السيطرة على مسارات الأنابيب العابرة نحو أوروبا. إضافة إلى ذلك، فإنه على الرغم من إنتاج سوريا عشية اندلاع ثورتها لـ2.5 مليون برميل من النفط و0.3 تريليون متر مكعب من الغاز، فإن المعركة من أجل الطاقة ليست هي مفتاح الحرب؛ إنما موقعها الاستراتيجي المطل على البحر المتوسط، الذي يخول لها أن تكون جسرا نحو أوروبا.
وبما أن كلا من قطر وإيران يملكان معا أكبر احتياطي في العالم من الغاز الطبيعي، يسعى كلاهما للبحث عن طرق ومسالك بديلة من أجل التفوق على نظيرها.
في عام 2009، وضعت قطر على طاولة بشار الأسد مقترح بناء خط أنابيب، يعبر المملكة العربية السعودية والأردن وسوريا إلى جانب ربطه بتركيا، قبل أن يصل إلى أوروبا.
هذا الخط، الذي تحلم قطر بتكوينه، من شأنه أن يزيد من حجم صادراتها، فضلا عن الحد من التكاليف والقيود على حجم الصادرات، التي يفرضها الشحن البحري، لكن رفض الأسد الاقتراح القطري، الذي من شأنه أن يضر حليفه الروسي، المصدر الرئيس للغاز الطبيعي نحو أوروبا.
وأمام قلقها إزاء تزايد اعتماد أوروبا على الغاز الروسي، انضمت الولايات المتحدة إلى حرب خط الأنابيب، واقترحت خط نابوكو؛ وهو خط أنابيب يهدف إلى تجنب مناطق النفوذ الروسي، والتنقيب عن احتياطيات البحر الأسود وآسيا الوسطى. ومع ذلك، فإن خطوط الأنابيب، التي صممها الروس، ساوث ستريم ونورد ستريم، هي أكثر قابلية للحياة اقتصاديا، نظرا للاحتياطيات الضخمة التي تملكها البلاد. وأمام غياب بديل مفيد، تواصل روسيا تغذية أوروبا بربع احتياجاتها في مجال الغاز، الأمر الذي يجعل القارة العجوز عاجزة على التدخل في الاشتباكات المستمرة بين روسيا وأوكرانيا وما يترتب عنه من تقلب الأسعار.
في المقابل، وافق الرئيس السوري في عام 2010 على مشروع آخر؛ خط أنابيب إسلامي اقترحته إيران. وهي قناة تمر من العراق وسوريا، الأمر الذي يجعل من هذه الأخيرة منصة مهمة قبل الوصول إلى أوروبا. ووقعت دمشق وطهران على هذا الاتفاق في يوليو 2011، بعد أربعة أشهر من اندلاع الاحتجاجات الشعبية.. خط الأنابيب الشيعي، كان من الممكن أن يغير الوضع السياسي الإيراني، ويسمح لها بالاندماج في السوق الدولية، وتقديم بديل للحد من اعتماد أوروبا على روسيا. كما أن هذا المشروع هو من أسوأ الكوابيس، بالنسبة لكل من ممالك الخليج السنية والسياسيين في واشنطن.
كما أن مختلف الجهات الفاعلة في الحرب السورية، أي البلدان المصدرة للغاز الطبيعي، هي كلها عناصر رئيسية على طاولة الحرب السورية. فمن جهتها، تعمل القوات الأمريكية، جنبا إلى جنب مع المخابرات البريطانية والفرنسية، على تدريب وتمويل القوات المعارضة، من أجل الإطاحة بالنظام الحالي.
وفي المقابل، لعبت إيران دورا رئيسيا في التدريب العسكري وتزويد جيش بشار الأسد، كما قدمت له خدمات قوات الحرس الثوري، التي نشرت جزءا منه في سوريا.
أما روسيا، فقد تمكنت من تعويض ثقل الولايات المتحدة على الساحة الدولية، بانضمامها إلى محاربة تنظيم الدولة، إلا أنها استغلت ذلك لضرب المعارضة، المدعومة من قبل الدوحة والرياض.
وتجدر الإشارة إلى أنه هناك تغييرات محتملة في النظام العلوي في سوريا، يمكن أن تفسح المجال أمام تشكيل حكومة سنية متحالفة، تتوافق مع التصاميم السياسية للتحالف بين الدوحة-الرياض-أنقرة وواشنطن، وتمهد لتحقيق طموحاتهم في مجال الطاقة.