” إلى متى سيظلُ أبناؤنا المتعلمون دون عمل يليق بأحلامهم، في حين يحظى بعض الشباب (غير المتعلمين) برواتب أكثر دون تحصيل علمي؟! فكم يغمرني الحزن حين أرى ولدي (عبد الله) يشتغل عامل بيع للمواد الغذائية بأجر زهيد، إنَّه أمرٌ غير عادل” تتساءل مها من مدينة إدلب أم لثلاثة شباب اثنين منهما عاطلان عن العمل.
تعد البطالةُ أكبر مشكلة خلفتها الحرب لأسباب متعددة، فتجذّرَ الفساد، وانتشرت الرذائل والجرائم، وسادت الاتكالية في كافة أنحاء سورية، وتُعرفُ البطالة بأنَّها ظاهرة اقتصادية اجتماعية تنشأ بسبب تردي الوضع الاقتصادي، فتؤثر سلبًا على كافة جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والنفسية، وتؤدي في بعض الأحيان إلى السلوك الإجرامي لدى العاطل عن العمل إذا ما ارتبطت بالعوامل السابقة (سرقة ونهب وقتل وتجارة بالممنوعات وغيرها).
تنتشر الكثير من الجرائم في سورية لأسباب متعددة أبرزها متعلق بالوضع السياسي والآخر بسبب الفقر الذي له ارتباط كبير بعدم توفر فرص عمل (البطالة) للمواطن ممَّا يضطر بعض ضعفاء النفوس إلى اتباع أساليب لا أخلاقية لتحليل المُحرمات وارتكاب الجرائم بهدف تأمين لقمة العيش لأبنائهم، أو ربَّما لتحصيل ثروة من أجل الرفاهية.
أسباب كثيرة ساهمت بزيادة نسبة البطالة أبرزها:
– فقد الكثير من العاملين عملهم بسبب الدمار الذي لحق بالمنشآت الصناعية والخدمية والأعمال المختلفة وتوقفها عن العمل.
– تركُ الكثير من الموظفين الحكوميين وظائفهم خوفًا من سوقهم لخدمة العلم، أو بسبب معارضتهم للنظام.
– عدمُ التنظيم في سوق العمل بسبب غياب المؤسسات الاجتماعية، ممَّا أدَّى إلى فوضى في كافة الأعمال التي قد لا تتناسب مع مؤهلات الشخص.
– قلة رؤوس الأموال المخصصة للاستثمار خاصة في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام.
– سوء التخطيط التعليمي، وعدم ربط مخرجات عملية التعليم باحتياجات سوق العمل.
(هنادي) أربعينية أمٌّ لطفلين، تعيش بحالة اكتئاب بسبب الديون المتراكمة على زوجها، تقول: “أخجل أن أزور أيًّا من جارات الحي، فزوجي لم يترك شخصًا إلا واستدان منه بعد أن فقد عمله كسائق سيارة شحن للبضائع”
آثار البطالة على المجتمع السوري:
– ارتفاع نسبة الفقر بشكل كبير في سورية، فحسب آخر إحصائية لمنظمة (الاسكو) أنَّ معدل الفقر في سورية وصل في بداية هذا العام إلى 90% من مجموع السكان.
– انتشار الفساد والجرائم، (سرقة ونهب، القتل، تجارة المواد غير المشروعة، كالمخدرات والسلاح والآثار وتجارة الأعضاء وتهريب البشر عبر الحدود….).
في الفترة الأخيرة ازدادت ظاهرة السرقات بشكل كبير في مدينة إدلب، وفي بعض الأحيان يضطر فيها السارق للقتل كيلا تتم معرفته، كما حدث في جريمة قتل عائلة من ثلاثة أفراد من آل القوصرة وسرقة 5 كيلو من الذهب منهم، ومبلغ مالي قدِّر بـ 10000 آلاف دولار.
يجدُ الكثير من الشباب أنَّ حمل السلاح والالتحاق بأحد طرفي النزاع هو الحل لمشكلة البطالة القاتلة، فهو الوظيفة الأسهل والأكثر توفرًا للشباب السوريين، فيتمكَّنوا بذلك من الحصول على مقابل مالي يضمن لهم ولأسرهم العيش.
يتوجب على الجهات المعنية من (منظمات، جمعيات، مؤسسات حكومية وغيرها) في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السعي لإيجاد الحلول المناسبة لتخفيض نسبة البطالة فيها من خلال:
– تشجيع المشروعات الصغيرة للشباب، وإشراكهم في استثمار طاقاتهم وأفكارهم.
– التقليل من الواسطة والمحسوبية المنتشرة في المنظمات والجمعيات والمؤسسات.
– توفير فرص عمل للعاطلين عن العمل من خلال المشاريع التنموية التي تقيمها المنظمات.
– إعداد برامج تدريبية تأهيلية بمختلف المجالات لدمجهم في سوق العمل.
حيث اتجهت بعض المنظمات في الفترة الأخيرة لتوفير فرص عمل للشباب، ومنظمة بنفسج العاملة في مدينة إدلب كان لها دور كبير في تأمين فرص عمل لأكثر من 1500 عامل في إدلب وريفها من ضمنهم نساء و400 عامل في ريف حلب الشمالي (مارع وجرابلس) بهدف نقل المواطن من حالة الاتكالية على السلال الإغاثية، إلى الإنتاجية وإعادة إعمار بعض المنشآت الخدمية في المدينة وريفها، يعمل معظمهم بعقود تتراوح ما بين 3- 6 شهور وبعضهم مازال قائما على عمله حتى اليوم، وفق ما تحدث به (عبد الرزاق عوض) مدير برنامج الأمن الغذائي وسبل العيش في منظمة بنفسج لجريدة حبر.