تقرير بيبرس الأرمنازي.تأتي الطفلة إيلاف مع والدها إلى المشفى حيث قسم (العينية) بشكل شبه يومي، منتظرةً خبراً جميلاً عن (متبرع بقرنية) تُعيد لها بصرها المفقود منذ أربع سنوات.وتقول: “أنا الآن شبه عمياء، فلم أعد أرى وجه أخي الجميل، وابتسامة أبي الرائعة، وعينا أمي أيضاً التي ذهب بريقها من كثرة الحزن والبكاء عليّ،لكنني ما زلت أسمع أنفاسهم وضحكاتهم، وصورهم الجميلة ما زالت مطبوعة في صندوق ذاكرتي، أفتح صندوقي كلَّ يوم لأتمتَّع بمشاهدة الصور الملونة، وأعيدها إليه بحذر لكي لا تتبعثر وتضيع كما ضاعت باقي الصور وأصبحت سوداء”يقول الدكتور أبو حسين عينية:”تأتي إلينا كثير من الحالات التي تحتاج إلى زراعة قرنية وبشكل يومي، نتيجة عدة عوامل أهمها سوء استخدام العدسات، وانتشار التقرحات العينية المزمنة، ومن المعروف أنَّ عملية زرع القرنية الواحدة قد تكلف مبلغ (2000) دولار للقرنية الواحدة إن توفرت، وهذا مبلغ كبير جدا، إضافة إلى أسباب أخرى كغلاءالقرنية وعدم توفرها، وغلاء المواد الحافظة لها، وتكلفة نقلها من مكان إلى آخر، لكن من الممكن إجراء عمليات نقل القرنية من شهيد أو شخص متوفَّى حديثاً في المناطق المحررة، وقد تكون التكلف مجانية إن توفرت القرنيات المتبرعة بعد الوفاة، لأنَّ العملية تصبح عبارة عن نقل من متوفٍ حديثاً إلى حيٍّ ولا تحتاج إلى حفظ، لكن للأسف لا توجد عندنا ثقافة التبرع بالأعضاء وهنا تكمن المشكلة.ويقول الدكتور أحمد ياسين الاختصاصي في الجراحة البولية: “هناك أعضاء من المكن التبرع بها من الأحياء، مثل جزء من الكبد، والكلية، ونقي العظام، والدم، وهذه تؤخذ من المتبرع الحي (Living Donor) ولا تؤثر عليه لأنَّها متجددة.وهناك أعضاء يتبرع بها بعد الوفاة، كالقلب والكليتين والكبد والرئتين والقرنيتين (Cadaveric Donor)، لكن لا توجد إمكانية للمحافظ عليها في المناطق المحررة، لأنَّها بحاجة إلى مشافٍ وبنوك مختصة في هذا المجال، ولا يوجد أطباء مختصين أيضاً في هذا المجال” على حدِّ قوله.لكن وفي ظل الانتشار المتزايد لعمليات زراعة الأعضاء، وبسبب ارتفاع معدلات نجاحها في الدول المتقدمة علمياً، فضلاً عن الأساليب الحديثة المتبعة لتثبيط المناعة، فقد باتت هناك حاجة ماسة لتوفير المزيد من الأعضاء المتبرعة، كما ساعد على انتشار تلك العمليات بدرجة أكبر التطورات التي طرأت على عمليات زراعة الأعضاء المعتمدة على نقل أعضاء من المتبرعين الأحياء.وكان لا بدَّ من أخذ الرأي الشرعي في هذا الموضوع المهم كالتبرع (بالأعضاء البشرية) وهل هو حرام أو حلال وهل يجوز الاستفادة من أعضاء المتوفَّى، وهل يجوز الاستفادة المادية من قبل متبرع حي بعضو متجدد؟يقول: الشيخ تميم الحلبي.”تنقسم صور الانتفاع إلى قسمين1: نقل العضو من حي.2: نقل العضو من ميت.1: يجوز النقل من جسم إنسان إلى آخر إن كان هذا العضو يتجدد تلقائياً (كالدم والجلد) ويراعى في ذلك اشتراط كون المتبرع كامل الأهلية.2: لا يجوز نقل عضو تتوقف عليه الحياة (كالقلب) من إنسان إلى إنسان حي آخر، ولا يجوز أيضاً نقل عضو من إنسان حي يعطِّل زواله وظيفة أساسية في حياته، وإن لم تتوقف سلامة أصل الحياة عليها كنقل قرنية العينين كليهما.ويجوز الاستفادة من عضو استؤصل من الجسم لعلة مرضية لشخص آخر، كأخذ قرنية العين لإنسان ما عند استئصالها لعلة مرضية.ويجوز نقل عضو من ميت إلى شخص آخر حيّ تتوقف حياته على ذلك العضو أو تتوقف سلامة وظيفة أساسية فيه بشرط أن يستأذن الميت قبل الوفاة، أو ورثته بعد وفاته، أو بشرط موافقة ولي أمر المسلمين إن كان المتوفَّى مجهول الهوية أو لا ورثة له.فينبغي التأكيد على أنَّ الجواز مشروط بأنَّه لا يتم ذلك النقل بوساطة بيع، إذ لا يجوز إخضاع أعضاء الإنسان للبيع بحال ما.أمَّا بذل المال من المستفيد ابتغاء الحصول على العضو المطلوب عند الضرورة كمكافأة أو تكريم فلا حرج فيه، والله أعلم”لكن يبقى السؤال الكبير قائماً: لماذا تنتشر ثقافة التبرع بالأعضاء في الغرب، ولا تنتشر عندنا في البلاد الإسلامية والعربية؟!قال نبيّ الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم: (والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه) رواه مسلم.قد يكون التبرع بالأعضاء هو الأمل المشرق والسبيل الوحيد للمرضى الذين يعانون الفشل العضوي، بل هو من أجَّل الأعمال، حيث أنَّه يختصُّ بالنفس البشرية ويسعى إلى إنقاذها، كما يجب على أفراد المجتمع والمؤسسات العمل على نشر هذا الفكر الإنساني الذي من شأنه إنقاذ حياة إنسان قضى عمره يعاني هذا المرض.