بقلم إسماعيل المطيرمن الواضح أنّ لما يحدث في سورية مؤخراً بعضَ التداعيات الخطيرة على الصعيدين السياسي والعسكري، في كامل المنطقة التي تُسمى” الشرق الأوسط”.فالتحالف الذي ضمَّ أكثرَ من أربعين دولةً من مختلف قارات العالم ، إضافةً إلى بعض دول العمالة العربية ، لم تكن أهدافه واضحة منذ البداية ، فالتصريحات التي أطلقها زعماؤه كانت بخصوص الإرهاب الذي يتهمون به “الدولة الإسلامية” تحديداً.ولكن مع بدء الضربات الجوية ، ظهرت النوايا الحقيقية لقوات التحالف ، فطالت الضربات قوى أخرى فاعلة على الأرض في سورية ، منها جبهة النصرة وأحرار الشام.كان نصيب “الدولة الإسلامية” من تلك الضربات نصيب الأسد ، في محاولة لإيقاف زحفها والحدّ من خطورتها على نظام الأسد ، خطورتها التي تجسدت مؤخراً بالسيطرة على كامل محافظة الرقة بعد سقوط الفرقة ١٧ واللواء ٩٣ ومطار الطبقة العسكري ، وتمدّد خطورتها لتطالَ بعض مناطق حلب وحمص وحماة ، مسببةً رعباً غير مسبوقٍ لنظام الأسد.الضربات الأخرى التي وجّهها التحالف للفصائل الإسلامية الأخرى كانت بهدف تخفيف الضغوطات عن جبهات النظام ، والمتأتية بشكل رئيسي من الجبهة الإسلامية وجبهة النصرة, وبالفعل يمكن أن نعتبرَ اغتيال قادة حركة أحرار الشام والتي تشكل كتلةً رئيسية في الجبهة الإسلامية، إحدى أهم تلك الضربات، مع أنّ طريقة تنفيذ الاغتيال وأداتها مازالت غامضةً حتى الآن.بالنتيجة ، فإن أكبرَ المستفيدين من ضربات قوات التحالف هو نظام الأسد، المتعاون بشكل جلي مع الغرب ككلّ من طرف، ومع روسيا وإيران من طرف آخر ، وهو الذي وجد في تلك الضربات سبيلاً جديداً لتخفيف الضغط عليه، وإشغالاً للثوار عن مهاجمته، وتقليصاً لتكاليف الحرب الباهظة التي يتكبّدها كلّ يوم، حيث توزعت المناطق الخارجة عن سيطرته على قسمين:الأول: واقع تحت سيطرة “الدولة الإسلامية”، ويتكفل التحالف بقصفه.الثاني: واقع تحت سيطرة الثوار من الجيش الحر والكتائب الإسلامية الأخرى، وهو الذي يتكفل نظام الأسد بقصفه.تصريحات أخرى أدلى بها قادة التحالف، تخص تدريب المعارضة السورية “المعتدلة” خارج البلاد بغية إعدادها لاستلام دورها في المستقبل.التدريبات المذكورة إنّما تخصّ المئات فقط من المقاتلين ، فماذا عن الباقين ?! وعن أي تدريب يتحدثون ?!.يعلم الجميع أنّ الثوار في سورية لا ينقصهم التدريب ، وهم الذين خاضوا ومازالوا يخوضون قتالاً شرساً مع جيشٍ منظمٍّ مدعومٍ من قوى كبرى، مدة تقارب أربع سنوات، وإنّما ينقصهم السلاح النوعي الذي بتوفره ستنقلب موازين القوى تماماً.إنّ التدريب المقصود إنّما هو تدريب على العمالة ، واصطفاء الأنسب والأنجح لذلك ، وخاصة في هذه المرحلة الحرجة , إضافة إلى أنّ التدريب حسب تصريحات قادة التحالف قد يطول لعدة سنوات, في إشارة إلى طول المدة التي يريدون للحرب أن تستمرَ خلالها قبل دخول تلك القوات “العميلة” التي ليس من المسموح لها أن تقاتلَ نظام الأسد في النهاية.والسؤال المطروح : ما هو مصير الشعب السوري حتى ذلك الوقت ؟ في الحقيقة إنّ آخرَ ما يفكر به قادة التحالف هو الشعب السوري, فحتى المنطقة العازلة التي طرح مشروعها “الطيب أردوغان” لم تكن واردة ومطروحة على طاولة الساسة الأمريكيين, بل ربّما كانت مرفوضة تماماً ومن المبكر الحديث عنها, فلماذا ذلك ؟!.ببساطة , في حال إقامة منطقة عازلة فإنها ستكون منطقة آمنة منزوعة السلاح, وتوفر ملجأً للمدنيين المستهدفين من قوات نظام الأسد, فمن الملاحظ أن النظام كلما اشتدت شراسة المعارك وزادت الضغوط الميدانية عليه, لجأ للانتقام من المدنيين بقصف المدن بغية دفع الثوار إلى تخفيف الضغط رأفة بالمدنيين , وهو في الوقت ذاته يحاول دفع المدنيين للوم الثوار على جر الويلات عليهم.أما قوات التحالف فتريد إبقاء الشعب السوري تحت ضغوط الحرب لدفعه بطريقة أو بأخرى إلى الاستسلام للعمالة على أمل الخلاص من معاناته التي طالت سنوات.ضربات التحالف بذلك إنما تستهدف الثورة السورية أولا وأخيراً تحت ستار محاربة الإرهاب, وإن أغبى الأغبياء من يحسن الظن بالتحالف وأنصاره, حتى لو قام التحاف بضرب النظام ذاته .. ورحم الله الشاعر أحمد شوقي إذ قال : مخطئ من ظن يوماً .. أن للثعلب دينا.