سيرين المصطفى |
وقف مدير إحدى المدارس في قلعة المضيق مذهولاً عندما عثر على علب (الترامادول) المخفية في حقائب طالبتين في المدرسة، إذ كانت موجودة معهما بكميات كبيرة تم شراؤها بهدف بيعها للطالبات اللواتي يتعاطينَ بحجة أنَّ الترامادول يُبهج النفس ويُنسيها المشاكل! إلا أن واحدة من الطالبات انتبهت فأخبرت المدير الذي سارع بمصادرة العلب واتصل بآبائهنَّ. تلك الحادثة كفيلة لأن نتصور مدى انتشار هذه المادة الخطرة على النفوس في الشمال السوري خاصة فئة الشباب.
الترامادول دواء ينتمي إلى فئة المسكنات الأفيونية، فبحسب الدراسات العلمية فإنه يستخدم للتخلص من الآلام المتوسطة والشديدة، حيث يعمل على تغيير طريقة شعور الدماغ بالألم، ويصنف من الأدوية المخدرة غير المصروفة بدون وصفة طبية، لما فيه من آثار جانبية، مثل الوصول إلى درجة الإدمان في حال الاستخدام المفرط والخاطئ، إضافة إلى إصابة الجنين بداء متلازمة الامتناع الوليدي وذلك في حال تناولته امرأة حامل.
ومن بعض الآثار الجانبية للترامادول، الإصابة بالإمساك والشعور بالغثيان والتقيؤ، بالإضافة إلى الصداع والشعور بالنعاس والدوار وضعف الطاقة، فضلاً على زيادة التعرق وحدوث جفاف في الفم. كما تضعف الخصوبة عند الرجل والمرأة في حال تم تناوله على فترات طويلة.
صحيفة حبر التقت بـ (سعيد عز الدين) الأخصائي النفسي والمدير الطبي لمركز (إشراق) الذي عمل لـ 6 أشهر في علاج حالات الإدمان ثم توقف، يقول عز الدين: “حالات تعاطي المسكنات بين الناس في الشمال السوري تصل إلى 150 ألف في المحرر على أسوأ تقدير، فمركز إشراق استقبل حالات أشخاص يتعاطون المسكنات، إلا أنهم كانوا يتقاضون منهم الأجور لعدم وجود داعم”. ويرى عز الدين أن ذلك محفز إيجابي لتشجيع المتعاطين للثبات حتى يكتمل علاجهم. وأضاف: “أغلب حالات التعاطي كان عبر مادة الترامادول والزولام إلى جانب بيفيدين، فغالبية المواد المدمَن عليها سواء أفيونية أم مهدئات تحرر الدوبامين (هرمون السعادة) الذي يتحرر بطرق طبيعية لكن بنسب بسيطة، على خلاف تلك المواد التي تحرره بنسب عالية، ومع تكرار تعاطي الحبوب، سيبدأ الجسم بالاعتياد عليه حتى يعمد صاحبه لزيادة الجرعة إلى عدد أكبر.”
ومن خلال لقائنا مع (راشد حمداوي) رئيس مركز الشرطة الحرة في قرية كفرسجنة بيَّن لنا أسباب انتشار تعاطي الترامادول بين الشباب في بعض مناطق المحرر، يقول حمداوي:” ازداد التعاطي على الترامادول، بسبب غياب الرقابة الدوائية على عدد كبير من الصيدليات، كذلك لكثرة حالات البتر وفقد الأطراف إثر غارات الطيران المتكررة على مناطق المحرر، فاحتاج أولئك الناس لما يخفف عنهم الألم الناجم عن الإصابة”. وأضاف:” ولغياب الوعي دورٌ في انتشار التعاطي بشكل ملحوظ في ظل الحرب وابتعاد الشباب عن المدارس بسبب ما مرت فيه العملية التعليمية من فترات انقطاع ما بين الفينة والأخرى”.
وممَّا كان سببًا في انتشاره سهولة الحصول عليه وسعره الزهيد الذي يقدر بـ 400ل.س لعلبة ذات 20 حبة عيار 225 ملغ. تقول (أم عماد) المطلقة والقاطنة حاليًا في إحدى الخيم على الحدود: “المسكنات هي عبارة عن فشة خلق، مثلها مثل السجائر!”.
كذلك أكد سعيد عزالدين أن 90% من الحالات التي وردتهم، كان سببها الإصابات الحربية، وظهر ذلك جليًا في لقائنا مع الصيدلاني (أبو دهام) الذي أكد أنه لم يكن هناك استعمال لهذا النوع من الدواء، ونادرًا ما كان طبيب يصفه لمرضاه.
يضيف أبو دهام: “هناك مناطق معروفة بتعاطي الحشيش وغيره من مواد المبهجة، وبإمكاننا أن نقول إن بعض الناس اكتسبوا التعاطي منهم، بالإضافة إلى تعاطيه ممَّن أدمن عليه نتيجة إصابته الحربية”.
الشرطة الحرة اتبعت إجراءات للتعامل مع هذه الظاهرة، مثل الرقابة على الصيدليات، بالإضافة إلى القيام بحملات توعوية، يقول حمداوي:” قامت عناصر الشرطة الحرة بتسيير دوريات على الصيدليات وتنبيه أصحابها بعدم صرف هذا الدواء إلا بموجب وصفة طبية من طبيب مختص، وإلا سوف يعرضهم هذا للمسائل القانونية، مع إقامة حملات توعية ضمن المجتمع المحلي من أجل توضيح مخاطر هذه الظاهرة على الشباب”.
وتابع الحمداوي:” يتم ضبط حالات التعاطي من خلال إبلاغات عن بعض الشباب المتعاطين، فيتم إحضارهم للمخفر، ثم التحقيق معهم عن مصدر هذه الحبوب، ونستدعي أولياء أمورهم كي نوعيهم لخطورة هذا الأمر، كما نأخذ تعهدًا عليهم بعدم تكرار هذا الأمر، وننبه الصيدلية أو الشخص الذي ابتاعهم تلك الحبوب”.
لكن عدد الصيدليات كبير في المحرر، بعضها في مناطق بعيدة عن نشاط الشرطة الحرة، الأمر الذي جعل من تلك العقوبة قاصرة، بالإضافة إلى عمل البعض ببيعها في الخفاء، كما أنه لم يعد هناك تدقيق على امتهان الصيدلة كما في السابق، وذلك ما أخبرنا به الصيدلاني أبو دهام، وعلق: “من الصعب حل تلك المشكلة واقتلاعها من جذورها”.
الأخصائي النفسي (عز الدين) يفرق لنا بين الطبيب العصبي والنفسي، فالأول كمهندس الكمبيوتر مخصص بالهاردوير (قطع الحاسوب والوصلات)، بينما الآخر مختص بمشاكل الإدمان يشبه المهتم بالسوفتوير (إعادة تأهيل وبرمجة الحاسوب وتخليصه من الفيروسات)، طبعا مع كامل احترامه للمريض ومكانته، إنما التشبيه لتوضيح الفكرة وليس للموازنة بين إنسان وآلة.
وأكمل: “العلاج ليس مجرد فطام دون مقاربة للمشكلة العميقة التي دفعت الإنسان للإدمان، وإلا فإنه سينتكس بعد حين، فلا يجب أن نكتفي بإحضار طبيب عصبي أو نفسي للمريض، بل علينا الاجتهاد لمعرفة العوامل التي دفعته للإدمان وأوصلته لتلك الحال”.
وأشار إلى أنه لا يوجد في الشمال السوري مركز تقني لعلاج حالات الإدمان، والمقصود بتقني أي ليس كأي نقطة طبية أو مشفى، إنما مركز تطبق فيه كل المعايير لعلاج الحالات بالشكل الكامل.
وفي ختام لقائنا يقول: “التعاطي قصة ألم ودمار للشباب وللمجتمع يتحمل وزرها كل من كان بإمكانه أن يقدم ولم يقدمه، فالتغطية الإعلامية والندوات كلها لم تأتي بنتيجة فعلية، تحزنني النسبة العالية جداً لتعسر أمور علاج الإدمان في منطقتنا، فعلاج الإدمان ليس مجرد حبوب تُعطى”.