علي سندة |
في مؤتمر “دعم مستقبل سورية والمنطقة” في بروكسل يوم الأربعاء الماضي قال جاويش أوغلو: إن “تركيا ملتزمة باتفاق إدلب رغم جميع الاستفزازات، ومصممة على حماية الهدوء في المنطقة” لكن 15 شهيدًا و49 إصابة جراء قصف طال إدلب المدينة بحسب الدفاع المدني، يُوصف الحال هناك، فضلاً عن استمرارية القصف على قرى إدلب وحماة وحدوث موجة نزوح داخلية كبيرة، كلّ هذا واتفاق سبتمبر/أيلول الماضي مُحلل استباحته على النظام وضامنه ومُحرم علينا، فماذا وراء الأكمة من رسائل؟
إن المشهد الحالي يُقرأ من زاويتين، الأولى أن التصعيد الحالي غرضه نسف اتفاق إدلب وبالتالي شن معركة بداعي الإرهاب؟ والأخرى بث رسائل للضغط على تركيا في مسألة شرق الفرات المُتعثرة إلى الآن.
فأما التصعيد لأجل نسف اتفاق أيلول/ سبتمبر الماضي، فإن النظام السوري يقصف على الأرض وعين ضامنه ترقب النتائج سياسيًا كونه المُحرك، فاتفاق إدلب الأخير حين تم لم يكن مُحددًا بزمن على العلن ولا ندري متى ينتهي وعلى أي شكل، وفي المُقابل تنفيذه لم يتحقق بكليته حتى الآن، وأوراق الضغط الروسي على تركيا جاهزة وحان وقتها، فروسيا بقصفها لا تبتغي انهيار الاتفاق مع تركيا وإعلان الحرب بداعي تطهير المنطقة من الإرهاب، وذلك لما يحكم الطرفان من مصالح مشتركة إقليمية واقتصادية، وكذلك خشية روسيا من تغلغل الإيرانيين؛ لأن العنصر البشري في حال شُنت معركة سيكون من مليشيات إيران والنظام.
بالمقابل نجد رغبة تركيا مستمرة في حلَّ النزاع بإدلب سياسيًا رغم فواتير الدماء السورية المستمرة والرعب جراء القصف الحاصل، وكذلك رغم صعوبة الحل عليها بعد تغول هيئة تحرير الشام في المنطقة المنزوعة السلاح ومناطق أخرى، لأنها تخشى موجة نزوح جديدة لوجود 4 مليون في إدلب وبالتالي حدوث تغيير ديموغرافي في المنطقة وهذا ليس لصالح تركيا، فعمدت إلى التلويح بورقة اللاجئين بوجه أوربا وتسهيل تدفقهم في حال حصلت معركة، ما أدى إلى تخوف فرنسي ألماني. ومن ناحية أخرى يوجد شيء من التوازن بالضغط بين تركيا وروسيا التي لم تضغط على النظام لينسحب مسافة 10 كم كما هو مقرر، ولم تضغط عليه لسحب السلاح، ولم يُفتح طريق حلب اللاذقية وحلب حماة.
وأما التصعيد الحالي وارتباطه بشرق الفرات فهذا أقرب لتفسيره في هذا الوقت، لأن تركيا ترفض وجود أي طرف في المنطقة الآمنة شرق الفرات وتُصر على أن تكون ضمن حمايتها فقط، إلا أن روسيا استغلت الموقف التركي في عدم إنهاء الوجود الرديكالي بعد أن حققت خطوات في ذلك، إلا أن زيادة سيطرة الهيئة بعد تقلص الجبهة الوطنية صعَّب المهمة، ما دعا روسيا لأن تزيد من الضغط وتُصعد الموقف، خاصة بعد أن رفضت تركيا إشراك روسيا معها في المنطقة الآمنة عبر تسيير دوريات معها في حال تمت.
إن ورقة الضغط الكبرى على تركيا حاليا هي الوجود الرديكالي في إدلب، وهي الورقة الأخيرة بيد الدول التي تهدف إلى كف ذراع تركيا عن المنطقة والإضرار بالموقف السياسي التركي تجاه الثورة السورية، وبالتالي زيادة الضغط عليها بقصف المدنيين رغم تسيير تركيا دوريات بغية التخفيف، كل ذلك لإجبارها على تقديم تنازلات فيما ترنو إليه في شرق الفرات. فإلى أين سيتجه هذا التصعيد على المدنيين الذي غطته روسيا مؤخرًا بضربها موقع أسلحة لهيئة تحرير الشام بعد أن أعلمت الجانب التركي بذلك؟ وهل سنبقى ندفع الدماء مكتوفي الأيدي منتظرين انتهاء المشهد؟ وكيف ستحل تركيا هذه المعادلة الصعبة بعد زيادة تعقيدها بما يتلاءم مع مصالحها في شرق الفرات وفي إدلب؟