لقد أعادت الخبرات العلمية التي امتزجت في بودقة الثورة التعليم العالي الذي كان تحرير جامعة إدلب بلا شك شعلة إضاءته، فبدأت جامعة إدلب بأيادٍ شعبية وهيئة مدنية تضم خبراء ومدرسين حملوا على كاهلهم مهمة وطن وشعب وشباب ثائر يحلم أن يرى في الثورة أحلامَه التي ينشدها.
لقد صدّرت جامعة إدلب بتنظيمها والخبرات التي تضمها الثورة على أنها ثورةٌ على كل مصطلحات الجهل، تسعى بالدرجة الأولى لخلق واقع تعليمي أفضل ينال فيه كلُّ إنسان حقوق المواطنة الطبيعية.
بدورها أعلنت الحكومة السورية المؤقتة عن افتتاح جامعة حلب في المناطق المحررة بالتزامن مع افتتاح نظيرتها في إدلب، لكن جامعة حلب أوسع انتشاراً لأنها تتبع نظام الشعب والفروع المتعددة المتوزعة على معظم المناطق المحررة، بينما تتركز فروع جامعة إدلب في مدينة إدلب فقط.
تحظى الجامعتان بإقبالٍ كبير من الطلاب المستجدين والمنقطعين عن الدراسة الذين رأوا فيهما الملاذ الأخير للرجوع إلى مركبة العلم بعيداً عن موجات الذل التي خلفها النظام الحاكم.
عمر أحد طلاب جامعة إدلب حقق حلمه بدخول كلية الطب، حيث صرح لحبر عن رضاه في الجامعة، لكن الأمر لا يخلو من مشكلات تحتاج حلاً جذرياً بغية النهوض بالاحتياجات العلمية للطلاب في الجامعة، وإحدى أهم المشكلات برأي عمر الأقساط الجامعة العالية التي تفوق الأقساط الجامعية في جامعة حلب، كما يخشى عمر من عدم حصول الجامعة على الاعتراف العالمي نتيجة وجود تدخلات عسكرية ظاهرة في الجامعة لا سيما السيارات التي تجوب الشوارع بغية مراقبة سلوك الطلاب رغم أن الجامعة غير مختلطة.
أما عبد الإله طالب كلية الطب التي تقع في كفر تخاريم التابعة لجامعة حلب يؤكد أن مشكلتي بُعد الكلية وعدم توفر السكن الجامعي التابع للجامعة هما أبرز مشكلتين تواجهان الطلاب في الكلية، لكنه ينوه إلى أنّ مسألة الاعتراف بجامعة حلب أكبر من جامعة إدلب، وهذا ما دفعه لاختيارها، إضافة إلى أن فرع طب الأسنان غير موجود في جامعة إدلب.
صحيفة حبر سألت وزير التعليم العالي في الحكومة السورية المؤقتة الدكتور (عبد العزيز الدغيم) حول آخر التطورات بمسألة الخلافات بين إدارة إدلب والجامعة، إضافة إلى الخطوات التي قطعتها الجامعة بمسألة الاعتراف العالمي لا سيما من خلال فتح باب الدراسات العليا (الدكتوراه والماجستير) وتوقيع مذكرات تفاهم مع جامعات خارجية.
الدكتور عبد العزيز صرّح لحبر “أن جامعة حلب لم تكن يوماً طرفاً في أي نزاع، لكنها في موقع المُعتَدى عليها من قبل إدارة إدلب من خلال التدخل غير المشروع في سياساتها التعليمية ومحاولة ضمها بالقوة إلى إدارة التعليم العالي التابع لهذه الإدارة، وماتزال الضغوط تُمارس ولو بمستوى أقل مما حدث في الفصل الأول، وذلك نتيجة للموقف الموحد من أساتذة الجامعة وطلابها والعاملين فيها ضد تدخلات إدارة إدلب في برامج الجامعة”
وعن افتتاح باب الدراسات العليا يضيف الوزير الدغيم: ” اُفتتحت مجموعة من برامج الدراسات العليا في بعض كليات جامعة حلب، منها الزراعة والاقتصاد والأدب العربي والتربية والشريعة، وقد تقدم الطلاب إلى المفاضلة الخاصة بالدراسات العليا لهذا العام، ويرتبط ذلك بمجموعة من العوامل أهمها وجود الكوادر العلمية القادرة على تغطية البرامج التعليمية في الدراسات العليا.”
وعن ارتباطات الجامعة بجامعات خارجية يقول الدكتور عبد العزيز: “تسعى وزارة التعليم العالي لإيجاد علاقات توءمة بين جامعة حلب في المناطق المحررة وجامعات أخرى مع صعوبة ذلك لكثير من الأسباب أهمها عدم الاعتراف القانوني بالحكومة السورية المؤقتة، الذي ينعكس سلباً على كل مؤسسات الثورة السورية ومنها جامعة حلب في المناطق المحررة، لكن علينا أن نتابع الطريق بمواصلة التعليم العالي لطلابنا وعدم الرجوع عن ذلك، لأن البديل عن التعليم سيكون تجهيل الشباب السوري واقتلاعهم من أرضهم عن طريق التهجير.”
يذكر أن جامعة حلب تعرضت لضغوطات كبيرة لضمها لإدارة إدلب، ما أدى إلى إغلاق الجامعة ودفع الطلاب لتلقي تعليمهم في العراء، وشهدت كليات الجامعة مظاهرات واحتجاجات من الطلاب وكوادر الكليات في صورة واحدة ومتكاملة رافضة للتدخل العسكري في الجامعة أو التعليم بشكل عام.
دعاء كانت إحدى الطالبات اللواتي هتفنَ بصوتهنَّ ليؤكدنَ استقلالية التعليم ورفضهنَّ كل المظاهر العسكرية. وفي ذلك تقول لحبر: ” رفضنا تدخل حكومة الإنقاذ أملاً بحصول جامعة حلب على الاعتراف العالمي تحت إدارة الحكومة المؤقتة، والطلاب بشكل عام راضون عن الوضع التعليمي في الجامعة وعن جهود الحكومة في تطوير الوضع التعليمي إلى الأفضل دوماً حتى الحصول على الاعتراف العالمي.”
أكثر من ثلاث سنوات مضت على افتتاح التعليم العالي في المناطق المحررة والجهود التي بُذلت في سبيل تطوير هذه العملية التربوية العظمى سيخلدها التاريخ بلا شك، وسيكتب معها أسماء أولئك المعلمين والكوادر الذين استشهدوا تحت نيران الأسد وصواريخ طيرانه الحاقد، ولكن محال أن تُكسر الأقلام الحرة فالتجربة مازالت مستمرة …