علي سندة |
بصمة التعميم السوداء أنَّى فتشتنا عنها في المجتمع نجد لها أثرًا، فالعقل البشري غالبًا ما يلجأ إلى استخدام قوالب جاهزة في التعرف على الأشياء، فيقع الإنسان في التعميم إما عمدًا أو جهلاً ليسهل عليه إلقاء الحكم من غير استثناء أو توضيح.
ولخطورة التعميم وتبيينه نقول: هب أن الأخ المواطن (أبا جميع) بعقليته (الحاراتية) وهو ابن حارة (الضبع) اشترى كيلو لحم خروف من حارة (أم رياح) وعندما أتى زوجه باللحم وتم طبخه تبين له أنه لحم عجل! وأن الجزار الذي هو من غير حارته قد غشه، وفي سهرة (القيَّافة المسائية) وكعادة أبي جميع في القهوة، ما شاء الله حوله! راح يقصُّ لخلانه ما حدث معه مُستنتجًا في نهاية حديثه: “كل قصابي حارة أم رياح غشاشون حرامية” ليؤيده بذلك الجميع بهز الرؤوس كونهم أيضًا بشر ميالون إلى التعميم مباشرة دون تحكيم العقل والتمييز بين فعل فردي وآخر جماعي، ليصل الخبر إلى جزاري حارة أم رياح أصحاب السمعة الحسنة والنظافة والقطافة في بيع اللحوم، فيتهموا رجال حارة الضبع بأنهم لا يعرفون التعبير والإفصاح عندما يريدون شراء شيء، بل لا يعرفون التمييز بين الخروف والعجل فكلاهما له قرون! ليصل الكلام إلى قبضايات رجال حارة الضبع وينادوا: “يالَثارات عقولنا، حي على العصي والشبريات، وعليهم يارجااال”
ذلك مشهد مُبسط لتعميمٍ على المُستوى المحلي الحاراتي في الحكم من وجهتين: (باعة اللحم، وعقول رجال حارة الضبع) فما بالنا بسورية التي تحتوي على ملل وطوائف وأديان ومجتمعات مختلفة ولغات…! بل إن خطورة أمر التعميم في الحكم على أي شيء دون علم ومعرفة، خاصة في هذه المرحلة التي نمر بها، لهو إيغال في الدمار واستمراره حتى نفيء إلى أمر العقل ولجم أحكام القيمة دون شواهد وتمحيص وحجج واستثناءات.
فما يفعله النظام السوري منذ عقود بالسوريين، ومنذ ثماني سنوات على وجه التحديد، كفيل بتوليد تيار (المعممين) الذين سيتسابقون لبناء سفن الفتنة للإبحار بسورية في بحر الظلمات، وهذا ما تلوح بوادره منذ الآن قبل أن يسقط النظام، إذ نرى عبارات شتى في التعميم الحُكمي تخرج مِن البعض، منها ما هو صريح مباشر كاستخدام ألفاظ (كل، جميع، لا يوجد، لا أحد..) ومنها ما هو غير مباشر صِيغ بحرفية يُتلمس من تضاعيف الكلام.
وربَّ تعميم جرَّ ويلات وفتح طاقات جهنم على المجتمع، اليوم يُقال: (كل العلمانيين يرون الحرية تتمثل بسفور المرأة ولا يرونها بحجابها، وكل الإخوان المسلمين عملاء، ودلني على سلفي لا يُكفر ويأخذ الأشياء على ظاهرها، وهل رأيت صوفيًا لا يسجد لقبر ويعتقد بالشيخ النفع والضرر! وكل العسكر خونة، وجميع العلويين قتلة كبشار الأسد العلوي، والأكراد انفصاليون، ولا يوجد أحد من الدروز والإسماعيليين إلا وشارك العلويين في قتل أهل السنة وتهجيرهم، ولا أحد من ضباط النظام السوري موجود معه حتى الآن بريء من دم السوريين، و99% من الجيش الحر حرمية، والمطالبة بالحرية خرجت من المساجد وبالتالي هي للمسلمين السنة فقط … إلخ” وما تلك العبارات إلا غيض من فيض في بحر التعميم الخبيث الذي مرده إلى الجهل، وقصر النظر في إصدار حكم ما، والتحامل نتيجة الظلم الممارس من قِبل جماعة ما، والتسرع، والسهو دون اعتذار وتوضيح، والتعمد، وربما ثمة أسباب أخرى..
ولا شك أن الباحثين عن الحقيقة مهما اختلفت توجهاتهم وآراؤهم، يتمثلون قوله تعالى: ” وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ” وقوله: “وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا”