يبدع السوريون اليوم في دورات التخطيط الاستراتيجي حتى تكاد الأكثر رواجاً وتكراراً بينهم، وتقدمها المنظمات بسخاء على أنها الحل الأمثل للجيل القادم، كثقافة تجعل النهوض يبدو أسرع من ذي قبل ، كيف لا وقد امتلك ثقافة النظر للبعيد، رؤية شاملة وفهم أعمق “كما يقولون” ولكن الكثير ممن خضعوا لهذه الدورات لم تبد عليهم علائم التحسن في مجالاتهم التي يعملون بها، اللهم إلا من الناحية النظرية حيث يصبح المكتوب أكثر تنظيماً وإقناعاً .لا أهدف مما أكتب للقول إنه لا فائدة من تلك الدورات، ولكن علينا أن ندرك جيداً أن نظرة للبعيد بدون فهم للواقع وتخيل جيد لما هو قريب لن تكون ذا معنى، خاصة إذا ارتبطت بواقع يعد الأكثر تغيراً وتسارعاً في العالم، وما يحمله من مفاجآت كل يوم كفيلٌ بأن يعيد صياغة نظريات كبرى في على هذه الأرض .إن هذا النوع من الدورات مفيد جداً ويحسن أن نستمر به ولكن بأن ننقله من حيز النص، إلى لغة التصور، بمعنى أخر من نطاق التخطيط العملي الذي يخضع للمتغيرات إلى النطاق الفكري الذي يفتح الأفق للفهم الأكثر شمولية ودقة ، إذا أردنا أن نعمل في سوريا من أجل غدٍ أفضل علينا أن نمتلك الأدوات الأكثر مرونة ونرصف الأحجار الأقرب متناولاً ونشد على الأيدي الأكثر عطاء ، لغة الفكر الاستراتيجي أو سمِّه الفكر التكاملي، حيث تعتبر الخطوة الأشد استراتيجية هي الأشد إقناعاً والأكثر ثباتاً واستدامةً، إنها لا تحاول القفز على الواقع لتستشرف المستقبل ، بل تصنع هذا المستقبل من خلال فهمها للواقع وعملها على صياغته، إن التفكير الاستراتيجي هو تفكير يرسم خطواته خطوة خطوة ويعيد تركيبها وتعديلها لتكتمل اللوحة التي يصبو إليها، ولا ينطلق من لوحة جاهزة ليضيع وقته في مصارعة الأحداث من حوله لكي لا يخدش جمالها .باختصار : حاول أن تفكر كروائي يسخر الأحداث لتصنع له النهاية التي يريد، وابتعد عن كونك شاعراً تسخرك الأحداث لقول ما تريد . المدير العام / أحمد وديع العبسي