بقلم زمرد أبو زيد
ما زال البعض يعتقد أنَّ الجماعة لا بدَّ أن تبقى في حالة ظفر وانتصار ما دامت قائمة على الحق، متمسكة به، وأنَّ مجرد الانتماء يعني الفوز السريع، وهذا خطأ في التصور كبير، لا بدَّ من الوقوف عنده، فالله عزَّ وجلَّ جعل في هذه الحياة سننا، منها أنَّ للنصر أسبابا موجودة في نفوس المقاتلين، وفي خططهم المرسومة وإعدادهم المسبق وعملهم في الميدان وعلاقتهم مع ربهم، واستغلال الأسباب الواقعية التي تساعد على النصر.
فهناك معارك كثيرة على مرِّ التاريخ العربي والإسلامي كانت أدوات النصر موجودة، ولكنه لم يتحقق، ذلك أنَّ التمسك بالأسباب التي أمرنا بالأخذ بها فقط واعتقاد أنَّها العنصر الرئيس الفعال الوحيد في المعركة، والتعلق به دون غيره وأنَّه سيحدد نتيجة المعركة خطأ في فهم الأسباب وطبيعة الصراع.
ولذلك فإنَّ الله عزَّ وجلَّ يردُّ سبب النصر إليه، لتستقر الطمأنينة في قلب المسلم، ويعتقد حق الاعتقاد أنَّ النصر من عند الله وليس من بندقيته أو دبابته، {وما النصر إلا من عند الله}، هذه العقيدة التي ترجع الأسباب إلى خالق الأسباب تجعل الفرد المسلم متحررا من تعلقه بالمخلوقين، وتدفعه إلى رفض جميع عروض العمالة التي تقدم له وتعِده بالقوة والنصر، وتضع حواجز بينه وبين أولئك الذين يريدون أن يجعلوه لعبة في أيديهم فيرسمون له الخطوط الحمراء ويحددون له الجبهات التي يمكن أن يعمل فيها والجبهات التي يمنع الاقتراب منها.
وهذه العقيدة الراسخة، عقيدة {وما النصر إلا من عند الله} تخلص القلب من التعلق بالأدوات الجامدة، وتنقل نظرة الإنسان المسلم من السطحية إلى العمق في فهم القوانين الكونية، وتعلمه أنَّه من الخطأ الكبير الاعتماد على جانب القوة وحده، ومن الخطأ الاعتقاد بأنَّ الأدوات فاعلة في ذاتها في عملية الصراع.
ولذلك فإنَّ الأسباب مهما كانت مؤثرة تبقى مجرد أدوات توظف وتدار ولا تملك لنفسها شيئا، مع الإشارة إلى أنَّ إعدادها والعمل بها أمر رباني يدخل في إطار العبادة، {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم.}، وأنَّ إسقاط الأسباب وانتظار النصر من دون عمل يعد حماقة وتواكلا سيلقى الهزيمة.
إنَّ المطلوب هو إيجاد حالة من التوازن بحيث يبتدئ العمل ضمن الأسباب المتاحة وإعدادها إعدادا جيدا، ثم التعلق الكامل بالله عزَّ وجلَّ، باعتباره المتصرف في هذا الكون، المسبب الحقيقي للنصر، وعدم التعلق بالجماعات والأفراد كما حصل وما زلنا نراه على الساحة السورية.