محمد حمروش |
بعيدًا عن الحرب ومآسيها والكورونا والحجر الصحي وأخباره، يجد الأهالي في أرياف إدلب في البراري والأراضي الزراعية متنفسًا لهم من المشاكل والهموم التي تحيط بالشعب السوري لا سيما تلك التي أفرزتها الحرب على حياتهم كالفقر والنزوح.
ومع بداية فصل الربيع في ظلال أشجار الزيتون، حيث الطبيعة الجميلة، والهواء العليل واللون الأخضر الذي يغطي محافظة إدلب الملقبة بالخضراء، تتوجه النساء ومنهن (أم محمد) وعائلتها إلى البراري مصطحبين معهنَّ الأطفال وبعض الموالح المتواضعة للتسلية كبذار عباد الشمس وما شابه، وأثناء تلك النزهة الوادعة تقوم النساء بجمع (الحويش) وهو اسم يُطلق على عدد من الأعشاب أو النباتات البرية التي تنبت من تلقائها في الأراضي الزراعية بين المزروعات، وتحت أشجار الزيتون، وعلى حواف الطرقات.
(الهندباء، ورجلين العصفورة، والخميترية، والخبيزة، والشويكة، والدردار، والفجيلة) أسماء النباتات التي تصلح لأكلة الحويش، سردتهم لنا (أم محمد) المرأة الخمسينية التي تحب هذه الأكلة الشعبية، حيث تخرج أسبوعيًا لجمعها خلال فصل الربيع، وتُؤمِّن من خلالها قوتًا لأبنائها في ظل شح الموارد وعدم توفر دخل مناسب.
وصفتها بأنها لذيذة، ومفيدة، وأن النساء مازلنَ يتمسك بها لأنها جزء من التراث القروي في الريف الإدلبي عمومًا، وتقوم بسكب الصحون وتقديمها للجيران والأقارب على أنها أكلة مقدرة ومفضلة.
تغسل النساء (الحويشَ) جيداً بعد جمعه وتنقيته من الأعقاب والأوراق الصفراء والأعشاب الغريبة، ويتم تنشيفه من الماء وفرمه وتجهيزه للطهي، ويضاف في القدر القليل من زيت الزيتون ويوضع على النار، ويوضع معه البصل المفروم وقطع الفليفلة الحمراء المجففة ويضاف بعدها الحويش، ليُترَك على النار برهة من الزمن حتى ينضج.
وتمتهن بعض النساء القرويات جمع (الحويش) في موسمه ويتم بيعه في أسواق المدن التي لا يستطيع أهلها جمعه بشكل مباشر، حيث يُعدُّ مصدراً للرزق بالنسبة إليهن في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها معظم المدنيين في الشمال المحرر.
(أم سميح) قالت: “إنها تُزاول هذه المهنة الموسمية منذ عشرين سنة، وتخرج مع بعض جاراتها إلى (الخربة، وتل صندل) قرب قريتها (زردنا) وهي مزارع صغيرة على أطراف البلدة لجمع (الحويش) في أيام الربيع المشمسة، ثم تذهب به إلى السوق ليشكل لها ولعائلتها مصدرًا للرزق.”
وأضافت (أم سميح) أن “الإقبال على جمع (الحويش) في السابق منذ نحو عشر سنوات كان أكبر مما هو عليه الآن، وعزت السبب إلى أن النساء سابقاً كنَّ أكثر نشاطًا وحبًا للأرض وتعلقًا بالطبيعة، حيث لم تكن الهواتف النقالة والإنترنت متوفرين، فكانت الطبيعة والأراضي الزراعية فسحة للتنفس والعمل وطلب الرزق.”
ويباع الحويش بسعر ليس بالقليل مقارنةً مع الخضروات الأخرى، حيث يبلغ سعر الكيلو الواحد 1000 ليرة سورية، وهذا بسبب الإقبال الكبير عليه بحسب (أبو عزام) بائع الخضروات، الذي أضاف أن “قطافه يستهلك وقتًا ليس بالقليل، ويحتاج قطعَ مسافات تصل أحيانًا إلى أكثر من اثني كيلو متر في الأراضي الزراعية البعيدة بحثًا عن هذه النباتات المرغوبة من قبل السكان الشعبيين.”
إذًا لا تكتسب هذه الأكلة قيمتها من شهرتها وطعمها فحسب، بل هي تراث يربط بين جيلين وربما أكثر، وهي علامة تدل على طبيعة أهل القرى وبيئتهم وارتباطهم الوثيق بالطبيعة.