محمد مغربي |
أثار الخطاب الديني الذي ظهر به رجل الأعمال (رامي مخلوف) ابن خال بشار الأسد، تعاطفًا كبيرًا لدى الطبقة المسحوقة المحاصرة بلقمة عيشها من الموالين، وفي المقابل أثار سخرية لدى المعارضة السورية.
(مخلوف) ظهر لأول مرة ببث مباشر على صفحته (فيس بوك) كان عنوانه: “كن مع الله ولا تبالي” دعا من خلاله (بشار الأسد) لإنقاذ شركة الاتصالات (سيريتل) من الأجهزة الأمنية ومن يقف خلفها، وخلال أقل من أسبوع على التسجيل الأول خرج ببث آخر عنوانه: (وكان حقًا علينا نصر المؤمنين) مدعّمًا به خطابه الأول مع بعض التهديدات الخفية.
وفي الأسبوع الثالث من رمضان، خرج في خطاب جديد بعنوان: (إِنَّ الـظَّـالِـمِـيــنَ بَـعْــضُـهُـمْ أَوْلِـيَـاءُ بَـعْـضٍ واللهُ وَلِـيُّ الْـمُـتَّـقِـيـنَ).
ويبدو أن الاعتماد على العناوين الدينية له غرضان، الأول: إثارة التعاطف والحشد لخطابه بين الناس، والآخر الادعاء أنه صاحب حق والتهديد بلهجة متوازنة.
بعد اندلاع الثورة السورية في بدايات عام 2011 تبنى بشار الأسد، كعادته، خطاب المقاومة والممانعة في وجه المؤامرة العالمية الكونية التي تستهدف سورية وصمودها؛ بسبب مواقف سورية (المبدئية والثابتة) من قضايا المنطقة ومن (العدو الصهيوني).
إلا أن (رامي مخلوف) لم يستطع مجاراة (بشار الأسد) في خطابه القومي، فلجأ إلى الخطاب الديني الذي من الممكن أن يكسب به قلوب بعض البسطاء من الحاضنة الشعبية، ولم يكن (مخلوف) أول من سلك هذا الأسلوب، ففرعون حينما أحس بدنو أجله اعترف بوجود الله وآمن به.
حرص (رامي مخلوف) في فيديوهاته على الظهور كرجل عادي سواء من حيث اللباس أو الخلفية الخشبية وراء ظهره، وحتى في نبرة خطابه التي بدا فيها أشبه بواعظ، وهي مختلفة تمامًا عن تلك التي خرج بها عام 2011 مساندًا فيها بشار الأسد، ومتوعدًا الشعب السوري الثائر، ومهددًا أنه “لن يكون هناك أمن في إسرائيل إن غاب الأمن عن سورية”.
كما حرص على انتقاء كلماته لمناشدة بشار الأسد وقوله بأنه “صمام الأمان”، لكن مع تحذيرات خفية لدى حديثه عن “المرحلة المفصلية” التي تمر فيها البلاد، وأنه يدرك حجم المخاطرة، لكنه لن يتنازل أمام ظلم أجهزة الأمن التي رعاها ودعمها طيلة السنوات الماضية.
هذه الصراعات داخل العائلة الحاكمة ليست وليدة اللحظة، وليست الأولى من نوعها، وما هي إلا انعكاس (للحرب الباردة) الحاصلة بين (روسيا وإيران) لبسط نفوذهما داخل الأراضي السورية، تلك الحرب التي انعكست على مختلف الجوانب، سواءً الاقتصادية التي يتمثلها صراع مخلوف – الأسد، أو العسكرية التي يمثلها الصراع المليشيوي بين الفصائل المدعومة إيرانيًا، وتلك المحسوبة على روسيا، وحتى الأمنية، ومن تلك التغييرات التي جرت خلال الفترة الماضية، عزل عدد من الشخصيات الأمنية ورؤساء الأفرع المدعومين من إيران واستبدالهم بشخصيات مدعومة روسيًا.
باب الاحتمالات لا يزال مفتوحًا على كل الاحتمالات أمام التصاعد الذي يجري في أحداث الصراع، خصوصًا بعد إصدار النظام منذ أيّام قرارًا بالحجز الاحتياطي على أموال (رامي مخلوف) وعائلته، حيث من الممكن أن يمتد الصراع إلى داخل الطائفة العلوية، بالنظر إلى الشعبية التي امتلكها رامي مخلوف جراء إنفاقه على جرحى ومصابي الحرب والفقراء ضمن الطائفة العلوية طيلة سنوات الحرب، وكذلك من خلال النفوذ الذي يملكه آل مخلوف عمومًا في الأجهزة الأمنية.
2وربما يتم إنهاء نفوذ رامي مخلوف دون أن تتفاقم الأزمة عبر تدبير هربه خارج البلاد، كما حصل مع رفعت الأسد من قبل، الذي كان أوسع نفوذًا وتأثيرًا في زمنه.
وفي كِلتا الحالتين لن يستفيد الشعب السوري (المسحوق) تحت حكم الأسد؛ لأن رامي مخلوف ليس سوى حجر ضمن بناء فاسد، ولن يسقط البناء باقتلاع حجر واحد.