سلوى عبد الرحمن
في ظلِّ الحرب التي باتت تقودها عدة أطراف متنازعة خلال ستة أعوام ماضية، برز ما يعرف بــ “الخلايا النائمة ” التي تعتبر أخطر ما أفرزته تلك الحرب، وهي عبارة عن وحدة تنظيمية سرية صغيرة تضم عملاء منغمسين بين المدنيين في مناطق العدو، ومن الصعب معرفة عدتها وعددها، تعمل على فتح جبهات داخلية، وتسهل عملية تقدم الجهة التي يعملون معها، وغالبًا لا يوجد هيكل تنظيمي للخلايا، فالتوصّل إلى خلية لا يسهل كشف بقية الخلايا، فهي تتوزع داخل مؤسسات ومراكز حيوية لكل واحد مهمة، وهي أشد فتكًا من القوات العسكرية.
يوجد في مدينة إدلب وريفها خلايا تابعة لقوات النظام السوري وتنظيم الدولة وجيش الثوار الذي يعمل لصالح المخابرات العالمية والأمريكية، وتسعى تلك الخلايا بأنواعها إلى زعزعة الأمن وضرب المصالح الاستراتيجية الحيوية في المنطقة التي تتخفى فيها بشكل متواصل، كما تقوم باغتيال بعض قادة الفصائل والإعلاميين، وتزرع المفخخات والعبوات الناسفة في المقرات والسيارات والأماكن المزدحمة، الأمر الذي يؤدي إلى زعزعة الأمن، وتقوم بالخطف والقتل بهدف تشويه سمعة الفصائل بحجة عدم قدرتها على حماية المدنيين، وإظهار الفرق لهم بين حالة الأمان وقت سيطرة النظام وسيطرة الثوار.
تسعى الخلايا في مناطق جيش الفتح على نشر الإشاعات لزرع الفوضى والخوف بين المدنيين، ممَّا دفع الكثير من السكان إلى النزوح لمناطق النظام أو تنظيم الدولة، فهما تتمتعان بمقومات أمنية كبيرة نظرًا لتوفر السلاح والعتاد والخبرات، بينما تعاني المناطق المحررة من فقدان تلك الأساسيات، إلا أنَّها في بعض الأحيان استطاعت ضبط بعض الخلايا والكشف عنها واعتقال الفاعلين.
كثير منَّا تفاجأ خلال الفترة الأخيرة بعد سقوط أحياء حلب الشرقية بخلايا نائمة تبين أنَّها تتبع لقوات النظام، كان لها دور فاعل في تسهيل عملية إخلاء حلب بعد الاتفاق التركي الروسي،
كانت تعمل ضمن الفصائل والمؤسسات المدنية والمنظمات، فقد كانت تتغلغل بعمق فيها.
من أبرز تلك الشخصيات الاستخباراتية الإعلاميون الثلاثة الذين خرجوا إلى مناطق النظام، والعديد من العناصر التي تتبع لفصائل ثورية مختلفة، ومؤخرًا العميد مصطفى الشيخ الذي تبين أنَّه أيضًا كان عميلًا للنظام السوري، والسؤال هنا: كيف استطاعت تلك الخلايا التغلغل في البنية التحتية للفصائل، وكيف يمكن القضاء عليها؟!
معوقات كثيرة تواجه الأمنيين في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام في مكافحة الخلايا النائمة، أبرزها قلة الخبراء والعفو عن بعض الشبيحة بعد التحرير، وحالات النزوح الكبيرة، الأمر الذي يسبب صعوبة في إحصاء أعدادهم وأسمائهم وتبعياتهم، ويوقف نجاح القوى الأمنية، لذلك كان لابدَّ من إيجاد حلول للعمل على ضبط الوضع الأمني، والعمل مع الفعاليات المدنية في إنارة الطرقات ليلا، وتسيير دوريات بشكل يومي، وزرع أشخاص للمراقبة، وجمع المعلومات الأمنية عن الأشخاص المشبوهين، قد لا تتمكن القوى الأمنية من القضاء على الخلايا النائمة بشكل كامل، إلا أنَّها تحدُّ منها وتخلق الصعوبات أمامها في أداء مهامها.
بالمقابل توجد خلايا نائمة تتبع للثوار في أماكن متفرقة داخل مناطق النظام، لكنَّها تعمل بصعوبة أكثر من تلك التي تعمل في مناطق الثوار نظرًا للقبضة الأمنية المحكمة، وامتلاك الخبرة، وتوفر المقومات الأساسية لتوطيد الأمان في مناطق النظام، إلا أنَّ هذه الخلايا تقوم بين الحين والآخر باغتيالات لمسؤولين وضباط وعناصر تعمل مع النظام، ومن أبرز تلك العمليات اغتيال مستشارين روس في كفر سوسة بدمشق على يد خلايا تابعة لفتح الشام، كما وتمَّ قتل عدد من شبيحة النظام في الأحياء الشرقية لم تتبنَّ أي جهة مسؤوليتها عن العملية خوفًا على تلك الخلايا.