المعتصم الخالدي |
إن من يشاهد وضع الدراما السورية بعد الثورة وما آلت إليه، من ضعف درامي وتفاهة في النصوص وتسييسها لصالح جهة معينة في الصراع الدائر على الأرض، يلاحظ كم أصبحت مترهلة وبعيدة عن واقع الناس، إذ بتنا نشاهد أعمالاً سمجة وساذجة
ولا تقدم أي معنى أو فائدة للمتلقي، وتقدم صورًا عن العنف والدم.
ومع اقتراب الموسم الرمضاني، تطل علينا كما في السنوات الماضية أعمال بأجزاء متعددة مشتركة بين السوري واللبناني، بإنتاج لبناني وتبث على أشهر القنوات العربية ويرافقها ضجة إعلامية لبعض المسلسلات التي حازت على شهرة واسعة في المواسم السابقة كمسلسل (الهيبة) فالإعلام الفني يمارس بروباغندا من ناحية تسليط الضوء على أعمال دون أخرى، فتشاهد برومو بتقنية عالية وبرامج خاصة للحديث عنها، ودعايات قبل العرض على مدار الساعة، لتخلق لدى المشاهد حالة من الحماسة والترقب لمشاهدة هذا العمل بشكل خاص.
هذه الأعمال غير بريئة بالطبع، ولا صناعها بريئون فهم يقدمون أعمالًا مسمومة ولا تخدم الواقع السوري والعربي، فضلًا عن كم العنف ومشاهد الدم والتشبيح والبلطجة غير المقبولة الخارجة عن إطار الدراما الحقيقية، فلو عدنا إلى مسلسل كالهيبة مثلاً، وتساءلنا: ماذا قدم للجمهور العربي؟ المسلسل هو من تأليف: باسم السلكا، وإخراج: سامر برقاوي، وبطولة: تيم حسن بدور جبل، وقصته تتمحور حول شخصية بلطجية بامتياز لا تحمل أي ميزات، ولا تؤمن إلا بالعنف والدم كوسيلة للقضاء على الآخر كأنها محاولة خبيثة لشرعنة إهدار الدماء، وانتشار العنف، والترويج لصورة الشبيح بإسناد دوره لرجل وسيم وصاحب أدوار مهمة في الدراما العربية، في محاولة بائسة لتلميع صورة (الأزعر) وإيصال فكرة سيئة بأن هؤلاء على حق، وما أستغربه حقًا بأن ممثلاً موهوبًا هو (تيم حسن) طبع في أذهان المشاهدين صورة جميلة عنه، وجسد أدوارًا وشخصيات تاريخية وأدبية مهمة، مثل: (نزار قباني، والملك فاروق، والمعتمد بن عباد في ملوك الطوائف) انحدر مستواه وقبل بأداء دور في عمل مشبوه (كالهيبة)!!
ولا تختلف الدراما في مصر عمَّا هي في سورية، إذ نرى نموذج الترويج للبلطجي موجود، فبين ليلة وضحاها أصبح (محمد رمضان) نجمًا له شهرته ومعجبوه و(منتجوه) وبات حديث الشارع وشاغل الشباب المصري للأسف، وتصدر الشاشات التلفزيونية وواجهات الصحف الكبرى، ولقبوه بالأسطورة، اللقب الذي لم يطلق عل عمالقة كبار في تاريخ الفن المصري، أين (محمد رمضان) من كوميديا (عادل إمام) وأداء (محمود عبد العزيز) الهوليوودي، وزخم وواقعية أفلام (نور الشريف)؟! هؤلاء من تركوا بصمة واضحة وخالدة في مصر خاصة والعالم العربي عامة، ليأتي الإعلام ويصنع نجمًا من لا شيء.
الإعلام بهذه الصناعة ينفذ رؤى ورغبات مخابراتية تخدم في المقام الأول سلطة الدولة والنظام الحاكم، فعندما أستطيع التسويق لشخص الشبيح أو البلطجي أوسيناريو شوارع الفوضى، فلا شك أن المشاهد سيختار دولة القانون ولو كانت عسكرية على شوارع فوضى مليئة بأمثال (جبل، والألماني) على سبيل المثال، وستكسب السلطة الحاكمة نقطة مهمة وهي المقارنة بين نموذجين، والمقارنة ستكون لمصلحتها طبعًا، وهذا سيكسبها تعاطفًا من الطبقات الفقيرة وغير المتعلمة، هذه الطبقات التي تميل بطبيعة الحال إلى الاستقرار وترغب بوجود سلطة تفرض الأمان، ولو كانوا لا يحبون تلك السلطة.
تلك الأعمال الدرامية الرديئة وغيرها من الفنون السطحية التي انتشرت وللأسف في أوساط الشباب والمجتمع، ماهي إلا أوبئة ثقافية وفنية تنتشر وتزداد دون رقيب أو حسيب، والمخزي أكثر حجم التصفيق والصفير لها من قبل أقلام تُحسَب (زورًا وبهتانًا)على الثقافة والنخب.
(الهيبة) وسواه من المسلسلات بمنزلة كورونا يضرب الدراما ويسكن في صدرها، وباء يجتاح عقول شبابنا ويحرفهم عن المبادئ والقيم الصحيحة، في ظل غفلة صادمة من قبل المؤسسات الفنية والثقافية المهمة، علينا أن نوقف تلك الأعمال الموبوءة، ونضع لها حدًا قبل فوات الأوان، عندها لا ينفع مال ولابنون ولا ندم ودموع نذرفها على شاشات التلفزة التي تبث سمومها الدرامية، وتقتل شبابنا بأفكار دخيلة وطرق حياة سلبية لاتسمن ولا تغني من جوع.