عبد الملك قرة محمد |
وقَّع النظام السوري اتفاقية مع روسيا تقضي بـ(استثمار) مرفأ طرطوس مدة 49 عامًا تتمتع فيها روسيا بحقوق عديدة على حساب الجانب السوري، لكن رغم ذلك حاول النظام السوري أن يُقنع السوريين بأهمية الاتفاقية الاقتصادية، فحسب زعمه يقول إنها تعود بمنفعة مادية كبيرة على الدولة السورية، إضافة إلى أنها ستساعد في تخفيف العقوبات الدولية على النظام السوري.
بالمقابل فإن الاتفاقية، وبحسب بنودها، لا يمكن عدّها سوى هدية قدمها النظام السوري لروسيا كفاتورة حماية أو تمهيد لبيع مستقبلي، لا سيما مع اتساع النفوذ الروسي في طرطوس. فكيف يمكن لسورية التخلص من هذه الاتفاقية الخطيرة؟ وهل فعلاً لها نفع كبير على سورية أم أنها أسلوب يحاول فيه النظام إقناع مؤيديه بها؟
صحيفة حبر حاورت الدكتور (أسامة قاضي) رئيس مجموعة عمل اقتصاد سورية، للبحث أكثر في بنود الاتفاقية وتحليلها اقتصادياً بشكل واقعي ينقض مزاعم النظام ويكشف غاياته الخفية.
د. أسامة كيف يمكن لسورية أن تتخلص من اتفاقية مرفأ طرطوس مستقبلاً؟
“هذا متوقف على طبيعة الحل السياسي، فإذا استمر بهذا التعثر عبر قنوات جنيف وأستانة، فإن الحل السياسي سيكون على الطريقة الروسية، وستكون سورية مثل (جمهورية الشيشان) الروسية، وعندها السوريون مُلزمون بكل الاتفاقيات التي وقعها النظام، ولا يمكن أن يطالب الشعب السوري باستعادة سيادته على مرفأ طرطوس مثلاً حتى عام 2093، لأن الاتفاقية ملزمة للسوريين 49 عامًا تتجدد تلقائيا 25 عاماً أخرى.
هنالك شرح لبند يخصُّ نقض الطرف السوري للاتفاق حسب المادة 25 بحيث يقوم الجانب السوري بإرسال كتاب نوايا عبر القنوات الدبلوماسية يطلب إنهاءها، لكن هنالك شرط على أن يكون إرسال هذا الكتاب قبل سنة على الأقل من تاريخ انتهاء الاتفاقية. يعني ممكن للحكومة السورية أن ترسل الطلب عام 2067 للطرف الروسي، لتبلغه بأن السوريين يحتاجون المرفأ، لكن هذا لن يضمن إخلاء مرفأ فيه منشآت روسية وغواصات نووية وطاقم روسي؛ لأنه البند نفسه يذكر صراحة أن العقد يُجدد تلقائيا لفترة 25 عامًا أخرى، عندها على الشعب السوري أن ينتظر حتى عام 2093. طبعًا هذا ليس اتفاق الإذعان الوحيد الذي وقعه النظام كي يبقى في السلطة، فمثله أكثر من ثلاثين اتفاقية اقتصادية بين إيران والنظام السوري، وكلها ستكون ملزمة لمن تبقى من الشعب السوري، حتى لو مضت المعارضة في مسار جنيف وأستانة.
برأيي يجب أن تتضمن بنود الحل السياسي إعادة النظر في كل الاتفاقيات التي وقّعها النظام السوري منذ عام 2011، بحيث يبقى جزء منها لبعض الوقت، أو تبقى كما هي في حال كان يمكن تعديل بعض البنود المُجحفة في الاتفاقية، أو في حال كانت سيئة في حق الشعب السوري تُلغى نهائياً، وهذا الأمر ممكن للروس تفهمه ضمن صفقة سياسية مع الولايات المتحدة، لكن هذا سيكون مستحيلاً بالنسبة إلى الإيرانيين؛ لأنهم أصحاب مشروع إيديولوجي عقائدي طائفي وتغيير ديمغرافي.
أعتقد أنه ليس للسوريين أي مصلحة في أي حل سياسي لا يتضمن هذا البند، لأنهم سيدخلون على أرض مدمرة بلا ثروات، وستظل تُستنزف أمام أعينهم لأكثر من قرن، ولا يملكون السيادة على جزء كبير من ثرواتها وأراضيها.”
أين تكمن الخطورة في اتفاقية مرفأ طرطوس؟
“الحقيقة معظم الاتفاقيات التي وقعها النظام مضطراً للحفاظ على سلطته هي بمنزلة اتفاقيات إذعان، تُشابه اتفاقيات الخاسر في الحرب، والخطورة في اتفاقية مرفأ طرطوس أنها ليست عقد استئجار ولا استثمار ولا تشغيل هي بمنزلة “هبة” صريحة، إذ ورد في الاتفاقية حسب المادة الثانية من العقد أنّ “الإنشاءات السورية التي سيستخدمها الطرف الروسي بشكل مشترك، ستكون مجانية” إذًا هذا يُشبه الهبة، كما أن الاسم الرسمي للاتفاقية هو “توسيع أراضي المركز اللوجستي (يعني قاعدة عسكرية) للبحرية التابعة للاتحاد الروسي في ميناء طرطوس، وزيارات السفن العسكرية للاتحاد الروسي إلى البحر الإقليمي والمياه الداخلية و موانئ الجمهورية العربية السورية” ليس فقط ميناء طرطوس بل موانئ. وتشمل حسب المادة الثانية من العقد: “أراضي المنطقة الساحلية، ومنطقة المياه في ميناء طرطوس، والمنطقة الأمامية” معناها تتضمن المنشآت العائمة، بما فيها مثلاً: المنشآت العائمة لاستخراج الغاز مثلاً، والعقد يشمل “سطح الأرض كما تشمل سطح البحر وقاعه!” بمعنى أن العقد لا يخص فقط ميناء طرطوس، بل حسب نص العقد بالحرف: “أراضي المنطقة الساحلية ومنطقة المياه في ميناء طرطوس” بمعنى أنه لو وُجد غاز في قاع البحر فهو ملك للروس حتى 2093، لأنهم يملكون “قاع البحر” و “سطح البحر”.
ماهي الحقوق العقارية التي امتلكتها روسيا بالنسبة إلى الميناء وأراضي طرطوس المحيطة به؟
“بحسب المادة 7 هي بالحرف: “منشآت مملوكة لروسيا” ليس هذا وحسب، بل لو احتاج الروس أراضٍ وعقارات قريبة لميناء طرطوس تُعطى لهم مجانًا حسب المادة السابعة من الاتفاقية: “إذا لزم الأمر (غير محدد من الطرف الذي يُحدد لزوم الأمر)، فإن الجانب السوري ينقل إلى الجانب الروسي عقارات إضافية” كل كلمة في العقد لها قيمة قانونية، وهنا يذكر كلمة: “ينقل” نقلاً، يعني لا بيع ولا استئجار، ويذكر كلمة: “إضافية ” بمعنى ما المانع أن يضيف لمرفأ طرطوس مرفأ بانياس مثلاً، بغرض الاستخدام المؤقت، الشعب السوري ملزم بنقلها للملكية الروسية ولا يوجد مدة محددة للتأقيت، ممكن 49 سنة بشكل مؤقت، ويكون استخدام هذه العقارات مجانيًا.”
لماذا كانت مدة الاتفاقية 49 بدلاً من 50 وهل يمكن لروسيا تمديد الاتفاقية وبالتالي يصبح الميناء روسيًا مدى الحياة؟
“جرت العادة في ألا تكون أكثر من 49 عامًا فيما يخص المنشآت البحرية، و99 عامًا المنشآت العقارية، والميناء ممكن أن يبقى على الأقل لعام 2093 ملكية روسية خالصة هو ومن حوله حسب ما يرتأونه، وللتقريب: تصور لو أن الرئيس المرحوم (شكري القوتلي) لا سمح الله كان قد وقّع هكذا اتفاقية عام 1945 فإن مجلس الشعب عام 2019 يحق له مناقشة التمديد!”
لماذا لا يجب عدُّ الاتفاقية استثمارًا؟ وهل أرباح النظام السوري معدومة؟
“العقد ببساطة مذكور في بنوده الأرض والمنشآت العائمة وقاع البحر، ولو احتاجوا منشآت إضافية كلها ستكون مجانية، فكيف سيكون عقدًا استثماريًا والخزينة السورية لا يدخلها ليرة سورية واحدة منه؟ بل إن المادة 12 تذكر صراحة أنه: “لا يحق للجمهورية العربية السورية أن تقوم بالمطالبة بأي استحقاقات ضد الاتحاد الروسي لقاء استخدامه مرفأ طرطوس وكل منشآته الحالية والإضافية إن لزم الأمر.”
ما هو الدور المُوكل لنظام الأسد بحسب الاتفاقية؟
“مهمته توفير الأمن والحماية للمرفأ، فرغم أن ميناء طرطوس حسب “الاتفاقية” هي هبة، ويتمتع المرفأ بالسيادة الروسية، وكل ما عليها حسب المادة 7 هي بالحرف “منشآت مملوكة لروسيا” لكن الروس غير معنيين بحمايتها، فالمادة العاشرة تُشير صراحة إلى أنّ توفير الحماية خارج حدود “المنشآت الروسية” وبالتالي الحماية على عاتق قوات الجمهورية العربية السورية” بمعنى أن الخزينة ستدفع تكاليف حماية الميناء.
رغم أن العاملين في المرفأ لا حاجة لهم بالسلاح، لكن العقد يُشير إلى أنه: “يحق للموظفين وأفراد الطاقم حمل الأسلحة واستخدامها وفقًا للوائح الموضوعة بموجب قوانين الاتحاد الروسي” ليس فقط داخل المنشأة بل: “يحق حمل واستخدام الأسلحة من قبل أفراد الجانب الروسي، خارج مرافق المنشآت الروسية في حالة المهام القتالية، أو لتوفير الأمن، أو تحت ظروف أخرى مختلفة” وبالطبع لا يوجد ضبط لمعنى توفير الأمن أو معنى “ظروف مختلفة” ممكن أن تكون أي ظروف يرتأونها غير آمنة ومختلفة، فمعناها تدخل تحتها كل الظروف دون ضابط.
الأنكى من ذلك أنه: “يحق للجانب الروسي تثبيت نقاط تفتيش متنقلة مؤقتة خارج مناطق “المنشآت الروسية” لضمان الحماية والدفاع عن أراضي ميناء طرطوس” هذه الحواجز متنقلة في أي مكان شاؤوا في طول البلاد وعرضها، ومتنقلة بمعنى كل يوم ممكن أن يصادفهم السوريون في أماكن مختلفة، يعني كل أرض الساحل تحت تصرفهم بمجرد ما وجدوا أن وجودهم ضروري لحماية أمنهم!”.
من يتحمل مسؤولية الأضرار التي قد تُصيب مرفأ طرطوس؟
“يتحملها الجانب السوري، بنص صريح في المادة الثانية عشرة، حيث إنّه: “لا يحق للجمهورية العربية السورية أن تقوم بالمطالبة بأي استحقاقات ضد الاتحاد الروسي، أو منشآته أو موظفيه أو أفراده أو أعضاء أطقمه، كما لا يحق للجمهورية العربية السورية أن تقوم بالمطالبة بأي استحقاقات بما يتعلق بأنشطة المنشآت الروسية على أراضي الجمهورية العربي السورية” وهذا دلالة أخرى على أن المرفأ بمنزلة هبة للروس لقاء دعمهم للنظام ورفعهم 12 فيتو من أجل تثبيت حكمه في سورية، ولعلهم يستردون بعضاً من ديونهم على النظام السوري.
ونص العقد يُجيب على سؤالك بصراحة دون مواربة: “في حالة حدوث ضرر ناتج عن الأنشطة المرتبطة بعمليات المنشآت الروسية، أو أنشطة موظفيها، أو أفراد طاقمها على أراضي الجمهورية العربية السورية، وفي حالة وجود أي ضرر ناتج عن مواطني الجمهورية العربية السورية أو كياناتها، أو في حالة وجود ضرر ناتج عن أفعالهم، سيتم تسوية هذا الضرر من قبل الجمهورية العربية السورية وفقاً لقوانين الاتحاد الروسي” فالسوريون هم المسؤولون عن تسوية أي ضرر، وطبقاً لقوانين روسيا!”
ماذا لو قام أحد أفراد الطاقم الروسي بجرم جنائي على الأرض السورية، هل يمكن للقضاء السوري محاكمته؟
“لا يمكن محاكمته في سورية ولا حتى استدعائه للشهادة، ولا علاقة للقضاء السوري به مهما فعل، والنظام وقَّع على هذا العقد الذي يذكر في مادته الثامنة: ” أن الروس لا يخضعوا لأي تفتيش من قبل سلطات الحدود أو الجمارك السورية.” وفي البند 9: “لا يحق لممثلي سلطات الجمهورية العربية السورية الدخول إلى المنشآت الروسية بدون موافقة قائد المنشأة” لأن لديها (حصانة) و “تُمارس روسيا ولايتها الكاملة” على منشآتها، وإذا ارتكب هؤلاء الأشخاص جريمة ما “فإن هؤلاء كلهم مصونو الحرمة الشخصية، ولا يخضعون لأي شكل من أشكال الاعتقال أو الاحتجاز” لأنهم محصنين من الولاية الجنائية والإدارية من قبل السلطات السورية، ولا يتعين على أي منهم حتى الإدلاء بأي شهادة أمام السلطات المختصة في الجمهورية العربية السورية.”
صحيفة حبر السورية تتقدم بالشكر والامتنان للدكتور (أسامة قاضي) رئيس مجموعة عمل اقتصاد سورية على وقته في الحوار وتوضيحه لحقيقة الاتفاقية المُجحفة بحق سورية.