يختلف فهم الديمقراطية بين الناس، وتستطيع أن تجد لها تطبيقات مختلفة إلى حدّ التناقض تقريباً في مختلف بلدان العالم وديمقراطياته الحديثة.
إن الحديث عن الديمقراطية كأداة للحكم يحيلنا مباشرة إلى الحديث عن ديمقراطيات مختلفة، فالممارسات الديمقراطية في دولة عريقة ديمقراطياً كالمملكة المتحدة (بريطانيا) تختلف بشكل كبير عن فرنسا، التي ربما تصل بدورها إلى آليات وممارسات تصل حدَّ التناقض مع فهم الحرية والديمقراطية في الولايات المتحدة.
إلا أننا نستطيع أن نضع محددات عامة للديمقراطية تتمثل في حرية الشعوب باختيار من يحكمها ومن يمثلها، وحقها في المشاركة باتخاذ القرار عبر الآليات المتفق عليها، وفصل السلطات الرئيسة في الدولة.
إن محاولة البعض الدعوة لتطبيق نماذج للديمقراطية مأخوذة من دول معينة في سورية دون دراسة وتجربة، هي محاولة لدفع البلاد إلى حافة خراب كبيرة ووضع الانسجام الوطني على المحك، وربما تقسيم البلاد.
لقد انضجت الدول ديمقراطياتها عبر سنوات عديدة فعرفت الآليات التي تصلح لها من تلك التي لا تصلح، وانضجت في هذه الفترة القوانين التي تجعل الوسائل الديمقراطية قادرة على الفعل والتأثير في المجتمع، وأصبحت الديمقراطية في هذه البلدان ثقافة يحميها الشعب لا آليات وافدة يجد عسراً في تطبيقها. وإن الاختلاف الكبير في هذه الآليات بين الدول هو ما يؤكد عدم جدوى تطبيق نموذج معين في سورية أو الدعوة إليه دون تجربة ونضج.
لقد انتجت الديمقراطية استبداداً خانقاً في بعض الدول عندما سيطرت الحكومات الديكتاتورية على صناديق الاقتراع والبرلمانات الناشئة، أو قفزت فوقها بحجة الثورة والإصلاح، فأصبحت شكليات لا طائل من ورائها كما هو الحال في معظم الجمهوريات العربية التي وصل عددٌ من مستبديها إلى الحكم عبر الوسائل الديمقراطية الجاهزة التي لم تأخذ بحسبانها طبائع الشعوب وخبرتها السياسية. واكتفت بتطبيق نماذج جاهزة
ما نحتاج إليه هو التأكيد فقط على المبادئ العامة، أما الآليات التي ستحمل هذه المبادئ إلى حيز التطبيق فالسوريون هم وحدهم القادرون عبر اختبارها في واقعهم أن يحددوها ويصيغوا القوانين التي تساعدهم على ترسيخ مبادئ الديمقراطية في الممارسة السياسية مستقبلاً بما يضمن إنجاز أنموذجهم الخاص الذي يكفل الحرية والعدالة وعدم تحول الديمقراطية إلى طوق استبدادي جديد يملكه من يحتكر الآليات التي من الممكن أن تُفرض بعيداً عن إرادة الشعب بدعوى الفراغ وعدم الخبرة.
المدير العام | أحمد وديع العبسي