هل باتت السماء السورية صندوق بريد لتبادل الرسائل بين القوى المتصارعة على أرضها؟ عدة طائرات أسقطت في الأجواء السورية خلال بضعة أيام طرحت مجموعة من الاستفسارات عن الرسائل المشفرة خلف كل طائرة منها.
البداية كانت مع إسقاط الطائرة الروسية su 25 أو ما يعرف بالدبابة الطائرة لشدة تصفيحها التي أسقطت بصاروخ حراري في ريف إدلب أثناء قيامها بعمليات قصف في منطقة من المفترض أنها ضمن مناطق خفض التصعيد الصاروخ، الذي أسقط الطائرة أعاد الذاكرة إلى ما حدث في رأس السنة، حيث سبق لروسيا أن خسرت مجموعة من الطائرات مطلع العام الجاري في قصف بطائرات مسيرة على قاعدة حميميم في هجوم قيل فيه وقتها إن وراءه أجهزة مخابرات غربية ربما هي نفسها التي زودت الثوار بالصاروخ المضاد، لتوريط روسيا أكثر في الرمال السورية قبيل الانتخابات الرئاسية وتشويه سمعت الأسلحة الروسية ومدى قدرتها على منافسة الأسلحة الغربية، وربما الأهم هو تذكير روسيا أن بضعة صواريخ مضادة للطيران قادرة على قلب المعادلة على الأرض كما حصل في أفغانستان زمن الغزو الروسي.
الحدث التالي وربما الأكثر أهمية إعلان نظام الأسد إسقاط طائرة إسرائيلية من طراز f16 بعد احتفاظ بحق الرد دام أكثر من أربع عقود.
إن نظام الأسد هو أجبن وأضعف بكثير من أن يقوم بهذا؛ لأنه يدرك أن أي تصعيد مع إسرائيل سيكلفه، إن لم يكن حكم سورية، خسارة معظم مطاراته ودفاعاته الجوية، وهو ما حصل تقريبا بعد سقوط الطائرة، حيث شنَّت إسرائيل غارات على المطارات، وهناك أكثر من احتمال عمَّا حصل أن روسيا أرادت أن تحفظ ماء الوجه بعد إسقاط طائرتها وإعادة الهيبة لصناعتها العسكرية، أو أن إيران التي تسيطر هي وميلشياتها على مفاصل الدولة السورية من قامت بإسقاط الطائرة بعدما أحست أنها خرجت من المعادلة السورية صفر اليدين لأنها أكبر الداعمين للأسد ماديا وبشريا وهي الخاسر الأكبر في الحرب، فلا هي حصلت على حقول النفط والغاز، ولا عقود التنقيب والاستخراج، ولا على أي عقد إعادة إعمار من العقود التي وُقعت حتى الآن، ناهيك عن أزماتها الاقتصادية وشبح الاحتجاجات في الداخل، فهي بذلك تحاول إيجاد حصة لها في الكعكة السورية.
ويبقى هناك احتمال أن يكون ما حدث مجرد مسرحية لإعادة تجميل نظام الأسد والعزف على وتر المقاومة والممانعة من جديد كما حدث مع حزب الله في حرب تموز.
أما بالنسبة إلى إسقاط المروحية التركية فوق عفرين، فمن المحتمل أن يكون حدثا طبيعيا خاصة أنها محلية الصنع ويمكن إسقاطها بالمضادات الأرضية، وهناك احتمال أن تكون إيران أيضا من زودت الانفصاليين بأسلحة مضادة للطائرات، فتورط إيران بدعم الانفصاليين بالسلاح مثبت بالأدلة الملموسة ولم يعد يخفى على أحد، فطهران أكثر المنزعجين من الدور التركي في سورية، فما قامت به تركيا من نشر لنقاط مراقبة في أرياف حلب وإدلب قطع الطريق على ميليشيات إيران في التوسع أكثر ومحاولة فك الحصار عن كفريا والفوعة، ولذلك حاولت عرقلة انتشار الجيش التركي وقصف الرتل المتوجه إلى تلة العيس أكثر من مرة .
ما حصل في سماء سورية وما هو متوقع أن يحصل في المستقبل شأن دولي لا دور للسوريين فيه لا نظاما ولا معارضة، لكنه يمكن أن يصب في مصلحة الثورة، فكما ظل حظر الطيران محرما على المناطق المحررة إلى أن أسقطت تركيا الطائرة الروسية وحصل بعدها درع الفرات، فإن كل طائرة تسقط في سماء السورية ربما تغير شيئا من المعادلة على الأرض.