أحمد الأحمد
تتفاخر الدول والشعوب في العالم باستصدار قوانين ملزمة للضمان الصحي والرعاية الصحية في بلدانهم، وقد رأينا مؤخراً المشادات الكبيرة في الكونغرس الأميركي حول قانون الرعاية الصحية الذي قدَّمه الرئيس ترامب، ثمَّ أُجبر على سحبه تحت ضغط الخلافات حوله.
أورد هذا الكلام عن أمريكا لأنَّنا نعلم حجم الرعاية الصحية هناك، ومع ذلك ما يزالون يبحثون عن الأفضل. أمَّا نحن في شمالنا السوري حيث المناطق المحررة، المواطن يعيش كارثة على جميع الأصعدة الصحية مع استمرار استهداف المراكز الطبية والمستشفيات الخدمية والميدانية التي أُنشئت بدعم من المنظمات الدولية الإنسانية والاجتماعية عقب خروج المشافي الحكومية السابقة عن الخدمة، كمشفى إدلب الوطني وابن سينا والمعرة وجسر الشغور وغيرها، نتيجة القصف المتعمد لها، ممَّا خلق واقعاً مأساويا كبيراً.
وفي هذا الصدد توجهنا بالسؤال للمخدر الفني محمد حسين حاج أحمد الذي يعمل في كثير من المراكز الطبية والميدانية فأجاب: “إنَّ كثيراً من هذه المشافي والمراكز الصحية قد خرجت، كمشفى عابدين ومشفى الرحمة، وأكثر من أربعة مشافي في مدينة كفرنبل لوحدها، والجميع يذكر مشفى أطباء بلا حدود الذي تم استهدافه في جنوب معرة النعمان على الرغم من أنَّ منظمة أطباء بلا حدود كانت هي المشرفة عليه وتديره بشكل كامل ومباشر، لكن ذلك لم يشفع له، واستهدف من قبل طائرات النظام”. ويضيف “إنَّنا نعمل ضمن هذه الظروف الصعبة في مغاور تحت الأرض، أو في سيارات الإسعاف المتنقلة التي لا تسلم بدورها من ذلك، وهذا ما يشكل ضغطا كبيراً على المواطن البسيط الذي لا يعرف أين الوجهة في حال حاجته لذلك، ممَّا يضطره لمراجعة أقرب عيادة طبيب خاصة”.
ربَّما من الجيد أن يكون هناك عيادات خاصة للاستقبال، وحول ذلك سألنا الدكتور وائل المحمود فأجاب: “ما يزال هناك الكثير من العيادات الطبية الخاصة، وحتى المشافي الخاصة على الرغم من هجرة الكثير من الأطباء المتخصصين في المجالات المختلفة، لكن هناك ارتفاع فاحش في الأجور وخاصة التصوير الإشعاعي في حال وجوده، والعمليات الجراحية والعظمية، وافتقار كثير من المشافي إلى الأدوات الجراحية الخاصة، ممَّا يضطر الطبيب لإجراء بعضها في شروط بدائية تكون نسب النجاح فيها قليلة”.
وأثناء تجوالنا في أحد المشافي، التقينا بمريضة تدعى فاطمة الشيبان، تحدثنا إلى مرافقها السيد خالد الإبراهيم فقال: “إنَّ حالة أمِّه صعبة، حيث يوجد لديها حصيات كبيرة الحجم تسدَّ القناة الجامعة، وهذا يحتاج إلى جهاز خاص يسمى rcp وهو غير موجود إلا في مشفى باب الهوى، وعندما ذهبنا إلى مشفى باب الهوى وجدنا أنَّ هذا الجهاز معطل، وخيَّرنا الطبيب بين إجراء العمل الجراحي حيث نسبة الوفاة تصل فيه إلى 90./. بالمائة وبين الذهاب إلى تركيا لإجراء العمل، لكن علينا انتظار الدور الذي قد يطول كثيرا فضلاً عن الصعوبات كوجود مرافق خاص ومصاريف العمل والتنقل وغيرها.
وعن الواقع الدوائي تحدث إلينا الصيدلاني سليم الحسن قائلاً: “إنَّ هذا الواقع هو الأصعب، حيث ارتفعت أسعار الدواء مؤخراً بمقداره 200 % بالمائة، فحبوب الدواء التي كان سعرها/ 500/ل. س تزيد الآن عن/ 1500/ ل.س، هذا إن وجد الدواء أصلاً، فالصيدلية الآن تفتقر إلى أكثر من 60 % من أصناف الدواء التي كانت تعج بها وتملأ رفوفها في ظل غياب تامٍّ للبديل، هذا فضلا عن غياب ثقة المواطن بالأدوية المستوردة ذات الفعالية الضعيفة جداً وخاصة أدوية الأطفال”.
تبقى هذه إضاءة صغيرة على واقع صحي مرير يعانيه المواطن الفقير الذي يدفع ألما من جسمه في الوقت الذي يتطلع إلى مستقبل مشرق تتنافس فيه شركات الضمان الصحي لتقديم خدمات أفضل لهذا المواطن، وتلك الشركات التي لا تبدو ملامحها جلية في نهاية النفق.