نالت الرقة دماراً أكثر من أي مدينة سورية أخرى، فلم ينجو من الدمار حي سكني واحد، ونزح جميع سكانها، فهي الآن المدينة المدمرة المهجورة والملغمة، وكعادة القوى الأجنبية التي تدخلت في سورية تأخذ على كاهلها القتل والتدمير وتتنصل من أي مسؤولية للبناء والمساعدة، بل وتستبدل السيء بالأسوأ والرقة نموذج.
صحيفة الإندبندنت دخلتها بعد طرد داعش منها بأربعة أشهر ووصفتها بأنها دمرت تماما وباتت أثرا بعد عين.
تتالى أكوام الخرسانة المحطمة على امتداد شوارع الرقة، ويوجد بين تلك الأكوام البعض ممن يبحثون فيها، امرأة عمرها 80 سنة قالت: إن اسمها إسليم كانت تبحث في الحطام عن بقايا معدنية أو بلاستيكية لبيعها، وشرحت أنها تعتني بزوجة وابنة أحد أبنائها الذي قُتِل بانفجار لغم.
كانت قوات سورية الديمقراطية (قسد) قد سيطرت على الرقة بتاريخ 20 تشرين الأول من السنة الماضية بدعم جوي ومدفعي من الولايات المتحدة بعد أربعة أشهر من الحصار.
يقول الطبيب صدام الهويدي: “قبل الحرب كنا تحت الصفر، وبعدها مانزال تحت الصفر” واشتكى من أن منظمات الإغاثة الدولية تأتي لتعاين الأنقاض ثم تغادر ولا تعود، كان الحصار الأخير ذروة الدمار بعد سنوات من التدهور الذي سبق حكم داعش، وعندما انهارت سيطرتالحكومة المكروهة للغاية، لم يكن لها بديل، وقال هويدي: “مات أبي لأن غارة من الحكومة السورية دمرت وحدة غسيل الكلى”.
قلة من الأحياء نجت من أشد أنواع قصف التحالف، لكنها لم تسلم منه، داخل المدينة القديمة المسوّرة، التقينا أحمد موساقي المتوسط العمر، يعمل في البناء سابقا ومختص بالسيراميك، اشتكى من ارتفاع أسعار الكهرباء من المولدات الخاصة، وقال إنه عايش الحصار، حيث قادته داعش مع عدد من المدنيين كرهائن من مبنى لآخر، أما أخاه أحمد مصلِّح الدراجات النارية لم يكن محظوظا كفاية فقد استولت داعش على جزء من منزله فقصفه الطيران، وقُتل مع خمسة من أفراد أسرته. ويضيف أن المساعدة المقدمة له قليلة، فعندما يعرفون أنه من الرقة يظنون أنه ينتمي إلى داعش.
عاد إلى الرقة نحو 150000 نسمة، لكن لا تراهم في الشوارع، والقليل من المحلات فتحت أبوابها، لكن الزبائن قليلون، والحركة الاقتصادية بطيئة.
بالقرب من موقع أثري قديم يدعى قصر البنات يملك باسل عمار السواس محلا لبيع الأبواب، ويصنع بعضها بنفسه، بينما يشتري أبوابا أخرى من الناس الذين تضررت بيوتهم بشدة، لكنهم تمكنوا من إنقاذ بعض الأثاث.
ويقول: “إن المال قليل بأيدي الناس وهم حريصون على ألا ينفقوه، فالوضع لا يزال غير مستقر.” ويضيف: “بعض هؤلاء ممن نجت بيوتهم من الدمار يبيعون بيوتهم للتجار لأنهم بحاجة للمال.” لدى باسل طفلتان تحت سن المدرسة، وغياب المدارس التي دمرت أو تضررت عامل آخر ينفر الناس من العودة الى الرقة.
تهديد آخر يواجه هؤلاء الذين لم تُدمّر بيوتهم في المعركة، فقد استخدمت داعش الألغام والعبوات الناسفة بشكل مكثف، فمقاتلوها المتخصصون بزراعة الألغام فخخوا بيوت الأشخاص المعروفين بمعارضة سياستهم، وهؤلاء الأشخاص غادروا المدينة أثناء الحصار وكان من المحتمل أن يعودوا بعد انتهائه. ودفع أحد أعضاء المجلس المحلي حياته ثمنا لتسرعه عندما عاد إلى بيته قبل أن تكتمل عملية إزالة الألغام من بيته، والسبب وراء التوزيع المحدود للمعونات هو صعوبة إيجاد نقاط توزيع للطعام والدواء في المناطق التي أُعلِنَت آمنة، يقول الكهربائي سرباست حسن الذي يعمل لإعادة التجهيزات الكهربائية: “لا نستطيع أن نعمل في المدينة بسبب الألغام”.
ثمة شحنة من الخوف المتفشي في كل مكان في الرقة، ما يجعلها مختلفة عن العديد من المدن السورية التي دمرتها الحرب منذ 2011، ويأتي هذا بسبب ثلاث سنوات ونصف من حكم داعش السادي عديم الرحمة الذي ترك كل شيء في المدينة مرعبا، يقول عبد السلام المسؤول عن الشؤون الاجتماعية في المجلس المحلي: “داعش في عقولنا وقلوبنا، فقد رأى الأطفال في سن خمس سنوات النساء تُرجم حتى الموت والرؤوس تقطع وتعلق وسط المدينة”، وتحدث آخرون عن أبناء قتلوا آبائهم وآباء قتلوا أبنائهم، ومع أن بعض هذه القصص يمكن أن تكون مبالغا فيها إلا أنه بالأخذ بعين الاعتبار وحشية داعش فإن العديد من هذه القصص يمكن أن تكون صحيحة.
الكاتب: باتريك كوكبيرن
الصحيفة: الإندبندنت
رابط المقال الأصلي: