أحمد الأحمد
مسكين هو المواطن السوري ذو الدخل المحدود، تتعدد عنده المتاعب، وتزيد لديه المصائب، سنوات عجاف مرَّت بالرغم من قساوتها على هذا المواطن من حيث قلة الأمن، ورداءة المسكن والمأكل والمشرب، وكآبة المنظر والمشهد، يطل قطاع الزراعة بثقله على الفلاح المسكين الذي طالما انتظر نتاج جهده وحصاد عرقه طيلة أيام العام، يعيش الأيام منتظراً رغم قساوتها عليه، لكن هذا القطاع لم يكن أفضل حالا من غير، فقد تراجع كغيره من قطاعات الإنتاج وبشكل كبير، وعلى نحو مخيف، ممَّا ينذر بكارثة غذائية حقيقية.
كثيرة هي الأسباب التي أتعبت الفلاح الذي يعتمد على الزراعة في لقمة عيشه بشكل كامل في بلد عرف بطيب عيشه واعتماد الكل فيه على الذات، لا سيما في هذه المناطق الشمالية من سوريا وأخص هنا إدلب، فمن أهم هذه الأسباب تراجع معدلات هطول الأمطار في السنوات الماضية بشكل كبير، ممَّا أثَّر على الزراعات البعلية والشتوية بشكل خاص، وحول هذا الموضوع توجهنا بالسؤال للدكتور (خالد إبراهيم الحسن) مدير زراعة إدلب الحرة فرد قائلاً: “إنَّ تراجع معدلات الأمطار في السنوات السابقة أدَّى بشكل كبير إلى تراجع الزراعات الشتوية التي يعتمد عليها الفلاح اعتماداً كاملاً، الأمر الذي أدَّى إلى نقص شديد في كميات القمح المنتج محلياً الذي يشكل العمود الفقري في الغذاء وتأمين رغيف الخبز، ممَّا دعت الحاجة إلى استيراد هذه المادة الاستراتيجية بعد أن كان معدل إنتاجها فائضا في سنوات ما قبل الأزمة، حيث يكون الاستيراد على شكل قمح أو طحين معد بشكل مسبق. كما أنَّ قلة الأمطار أدَّت إلى تراجع كميات الشعير المنتج محلياً الذي يشكل الأساس في علف الثروة الحيوانية التي تشكل المصدر المعيشي الآخر للفلاحين، ما أدى إلى ارتفاع في أسعار الشعير بشكل كبير والأعلاف بصورة عامة على مربي الثروة الحيوانية، ممَّا دفع التجار لاستيراد الشعير الأوكراني بسعر يقارب سعر الشعير المحلي أو ينقص عنه بقليل.”
ويتابع الحسن: “تراجعت نتيجة الظروف البيئية الجافة معدلات إنتاج الأشجار المثمرة التي تشكل مساحات واسعة من محافظة إدلب، لاسيما الزيتون والتين وبعض الأشجار المثمرة الأخرى، كما تناقصت أعداد هذه الأشجار بشكل ملفت في السنوات الأخيرة بسبب قطع الكثير.”
ويتابع الحسن قوله: “إنَّ من سوء وضعف الإنتاج هو انتشار الأمراض الزراعية وعدم مكافحتها بشكل جيد نتيجة سوء المبيدات الزراعية المستخدمة المنتشرة في الأسواق من مصادر غير موثوقة، وكذلك ارتفاع أسعار هذه المبيدات وعدم فاعليتها.”
وفي هذا السياق توجهنا بالسؤال للمزارع (مصطفى علي الإسماعيل) فقال: “في هذا العام -وعلى الرغم من تساقط كميات لا بأس بها من الأمطار- كانت زراعة الشعير متأثرة بمرض الحالوش، وقد قمنا برش المبيدات الزراعية له أكثر من مرة لكن دون جدوى نتيجة سوء هذه المبيدات وعدم فاعليتها على الإطلاق، مما يبشر بموسم زراعي سيء أيضا بعد أن كنَّا قد تفاءلنا بمعدل جيد من الأمطار في هذا الموسم.”
هذا وقد قمنا بجولة برفقة المزارع (عبد الله الحاج أحمد) لأحد حقوله المزروعة بالزيتون، ورأينا أشجار الزيتون وقد أصيبت بأمراض أدت إلى اصفرار الأوراق ويباس بعض الفروع فيها، وقد توجهنا بالسؤال للدكتور المهندس (خالد عبد الله الطويل) عن هذا الموضوع فأجاب: “سبب هذا المرض فطر الفنيسليوم المنتشر في التربة، وهذا الفطر يصيب أصنافا من الزيتون دون غيرها، ممَّا يستدعي استخدام بعض المبيدات الجهازية كالبينوميل وغيره، لكن هنالك بعض الإجراءات الوقائية كحرق نواتج التقليم، وتعقيم أدواته بعد استخدامها، وعدم المبالغة في الحراثة حتى تكون سطحية لا تضر بالجذور كثيرا وغيرها.”
وقد أضاف لنا الدكتور الحسن: “إنَّ أراضي محافظة إدلب قد تعرضت في العام الماضي لأسراب من الجراد الذي أدَّى لتلف كثير من المزروعات، وعليه قامت المديرية برش الحقول بالمبيدات الحشرية الخاصة للقضاء على هذه الآفة بمساعدة بعض الجهات الداعمة، وإجراء بعض البرامج الإرشادية لتوعية الأخوة الفلاحين ومربي الثروة الحيوانية، كما قامت المديرية بتأمين بعض أكياس الخيش للمزارعين”
ليس هذا كل شيء، لكن تبقى هذه إضاءة صغيرة على واقع زراعي مؤلم في وقت عصف بالفلاح أولاً والمواطن ثانيا، عوامل شقاء وتعب وألم، لكن ثبات الفلاح في أرضه كثبات أشجار الزيتون والسنديان مبعث للسعادة والأمل.