عبد العزيز عباس |
محاولة انقلابية فاشلة تلتها موجة إعدامات واعتقالات، المحاولة راح ضحيتها القائد (محمد أوفقير) والد الكاتبة الروائية مليكة أوفقير.
ما هي العلاقة بين كاتبة الرواية والانقلاب في عام 1971 الذي قام به الكولونيل (محمد أعبابو) للإطاحة بملك المغرب الحسن الثاني؟! السبب أن محاولة الانقلاب فشلت لأكثر من سبب، وكان من نتائجها إعدام العشرات وسجن العشرات وموت العشرات، وكان من بين الذين ماتوا القائد (محمد أوفقير) والد الكاتبة الروائية مليكة أوفقير وسجنها.
تنتمي رواية (السجينة) إلى أدب السجون، مثلها مثل رواية القوقعة للكاتب السوري مصطفى خليفة ورواية (يسمعون حسيسها) للكاتب أيمن العتوم والروايتان تتحدثان عن سجن تدمر في سورية، فلماذا نتحدث عن رواية السجينة بدلاً من الحديث عن القوقعة ويسمعون حسيسها؟! السبب أن الرواية تتحدث عن بيئة مختلفة وهي بيئة غريبة وبعيدة ومجهولة لنا نحن سكان المشرق العربي، حتى اسم السجن أو المعتقل سجن (تازمامرت) يبدو غريباً علينا، لكنه ليس بغريب على مليكة أوفقير أو الكثير من ضحايا انقلاب الصخيرات ومنهم أحمد المرزوقي صاحب رواية الزنزانة رقم 10 والرواية لا تتحدث عن السجن من البداية كبقية الروايات، بل كانت بدايتها أشبه بمذكرات أو سيرة ذاتية عن الكاتبة الروائية والسجينة مليكة أوفقير.
كيف لحياة الإنسان أن تنقلب رأساً على عقب في لحظة لا أحد يدري من شخص كان يعيش في القصر الملكي المغربي إلى سجينة بلا تهمة؟! هذه هي مليكة أوفقير ببساطة، حاولت الفرار لكن قُبض عليها من جديد، الحرية شيءٌ ثمين جداً لا يعادله شيءٌ آخر، لكن كل ما ذكرناه كان فقط ما أرادت الكاتبة أن نعرفه، فهل هناك وجه آخر للقصة بين حكم العسكر والملكي؟ كان لا خيار آخر عند الشعب المغربي، كان المسؤول عن الانقلاب (محمد أعبابو) قد خدع الكثير من الشباب للتصدي لبعض الثوار وحماية العرش الملكي لكنه كان يُبطن الاستيلاء على الحكم.
بين جمال الحياة الماضية في القصر الملكي وقسوة وقبح الحياة في السجن تجري أحداث الرواية، لماذا تسجن بنت أوفقير فقط؟ لأنّها ابنته فقط لا غير، بل ويسجن كل أفراد العائلة، فعندما تغضب السلطة تصبح كالمجنون تقتل وتعدم وتسجن… ليس الانقلاب الذي يعتمد على المحتل السابق بأفضل من الملكية، التغيير صعب خاصةً في عالمنا العربي، لا نعرف لماذا، هل هو القدر أم قوى خارجية أم نحن الشعوب لسنا مستعدين للتغيير؟! هل لو نجح الانقلاب كانت المغرب ستكون في حالة أفضل؟!
عمر الإنسان خلق قضبان السجن ليس عمراً، وليس له أيّ تعويض خاصةً إذا كان هذا الإنسان مظلوماً، دخلت مليكة السجن وقد أُخبرت أنّها ستقضي 5 سنوات فقط، لكن خمس سنوات صارت عشرين سنة! أمرًا عاديًا إذ ليس هناك أيّ قيمة لحياة الإنسان وعمره وتعبه لدى الطغاة، حتى هناك من يدخل السجن دون أن يعلم السبب.
استطاعت مليكة هي وأسرتها أن يسافروا إلى فرنسا، وكانت قد ولدت في مراكش عام 1953 والحسنة الوحيدة للسجون في العالم العربي هي أنّها تخرج لنا روايات وقصص جميلة قبيحة في الوقت نفسه.
صدرت للكاتبة العديد من الروايات، كانت أغلبها باللغة الفرنسية، والغريب في الأمر أنّ مليكة كانت كسولة كما عُرف عنها، وهي تحدثت عن ذلك في رواية (السجينة) لكنّها تحولت إلى كاتبة روائية لكن في فرنسا وليس في المغرب.
الملك في الرواية يعاقب بدون أحكام أو محاكمة، يسجن بلا أسباب، يعدم ويقتل ويسجن دون أن يُسأل لماذا فعلت ذلك ومن أعطاك ذلك الحق، وجان جاك روسو من أكثر من قرنين قال في كتابه (إيميل والعقد الاجتماعي): “إنّ العقد الاجتماعي بين الحاكم والشعب والحاكم ما هو إلا موظف.” أمّا حاكمنا فهو الرئيس وأمير المؤمنين والملك والخليفة يستمد سلطته من الله مباشرةً مؤيد بنصرٍ من الله حسبنا الله!