أحمد رجاء الشامي |
كم من الأطفال نتيجة عدم الاكتراث من قبل الأهل لما عايشوه في أماكن الحروب باتوا يعانون من أمراض نفسية ظهرت عليهم بعد سنوات! وكم منهم مارسوا الحرب عندما كبروا نتيجة ردات فعل عايشوها حين كانوا أطفالاً!
لعلنا في العالم العربي لا نعطي اهتماماً كبيراً للرعاية النفسية والوسائل المطلوبة لاحتواء ردة فعل الصدمات على الأطفال أثناء الحرب، لأننا نرى من الحرب ما نلمسه من مشاهد قتل وتدمير للبشر والحجر، في حين يخفى علينا الجانب الأهم وهو ما تتركه من آثار تدميرية في النفوس خاصة عند الأطفال، لتغدو المخلفات غير المرئية التي لا نفكر بها أو نعطيها اهتمامًا سلاحًا فتاكًا يغتال نفسيات الأطفال لتعطي نتائج سلبية على المدى البعيدة.
فما هي الحالات النفسية التي يتعرض لها الأطفال أثناء الحروب؟ وما أعراضها المصاحبة؟
إن أهم ما يتعرض له الأطفال يمكننا إيجازه بما يلي:
التشرد، والمرض، واليُتم، وسُوء التغذية، والأمية والاضطراب في تلقي التعليم والتريبة، ومشاهد العُنف وإرغامهم على القيام بها.
عندما يتعرض الطفل إلى حالة نفسية من التي سبق ذكرها، غالباً ما يصاحبه فوبيا مزمنة من الأحداث أو الأشخاص أو الأشياء التي ترافق وجودها مع وقوع الحدث، مثل المسلحين وسياراتهم، وأصوات القصف ودوي الانفجارات.. وفي بعض الأحيان يعبر الطفل عن خوفه بالبكاء أو العنف أو الغضب والصراخ أو الانزواء في حالة من الاكتئاب الشديد.
ويصاحبه أيضًا أمراض كالصداع والمغص وصعوبة التنفس والتقيؤ والتبول اللاإرادي وانعدام الشهية في الطعام وقلة النوم والكوابيس وآلام وهمية في حال مشاهدته لأشخاص يتألمون أو يتعرضون للتعذيب.
إن أشد ما يتعرض له الطفل من صدمة نفسية عندما يتعلق الحدث النفسي بشيء مُقرب منه يمثل لديه مصدر قوة، كفقده لأمه أو أبيه، أو مشاهدته لحالات وفاة مروعة لأشخاص مقربين منه، عندها يُصاب بصدمة عصبية قد تؤثر على قدراته العقلية.
إن ما يتعرض له الطفل من صدمات يقوم بها الإنسان لهي أشد وقًعا من التي تحدث بفعل الطبيعة، وبالتالي تترسخ بذهنه أكثر خاصة إذا كُررت بأوقات متقاربة.
من الممكن تفادي الحالات النفسية التي يتعرض لها لطفل فقط إذا تذكر أحدهم الجانب النفسي للطفل في الأوقات العصيبة، وثمة عدة دلائل تشير إلى وجود شيء نفسي يعاني منه الطفل.
فالمشاعر التي يختزنها الطفل أثناء اللعب أو الرسم تمكننا من كشف ما يعانيه، إذ إنه غالبًا ما يلاحظ أنه يرسم مشاهد من الحرب، كالمخيمات والأبنية المتهدمة والجثث والحرائق، وكذلك نجد أن الأطفال يميلون إلى اللعب بالمسدسات واقتناء السيارات والطائرات الحربية.
حيث يجدون في ألعاب العنف هذه خير ملاذ للتعبير الحي عن انعكاسات تلك المظاهر، وكلها ناتجة عمَّا عايشه في بيئة الحرب كمشاهدته للأرتال العسكرية والجنود وسياراتهم وأدواتهم الحربية، أو ما يشاهده عبر وسائل الإعلام، فالطفل بطبيعته يحب التقليد وعن طريق الإيحاء والعدوى الاجتماعية يمكن انتشار واستعمال هذه الألعاب التي تحوله من الجانب التربوي السليم إلى الخوف أو تشجيعه على ممارسة الحرب للتغلب عمَّا عايشه.
كيف يتجلى دور الأهل في التصدي؟
عند تعرض الأطفال لظروف أو حوادث مؤلمة تخيفهم على الأهل أولاً، بحسب توجيه المختصين، أن يشعروهم بالاطمئنان وألا يتركوهم عرضة لمواجهة هذه المشاهد دون دعم نفسي، كأن يستمروا بالكلام معهم دون انقطاع، واستخدام عبارات تدل على أن الخطر زال وأنه لن يصيبهم شيء، وكذلك استخدام الألفاظ التي تدل الحب وبث العاطفة، وتشتيت فكرهم عن الحدث، خاصة في أوقات الغارات المخيفة في حال وقوعها على مقربة منهم، فهذه اللحظة هي الأهم في حياة الطفل النفسية وكلما تركناه يواجهها وحده يزداد أثرها السلبي بداخله على المدى القريب والبعيد.
وبالنسبة إلى الأطفال الأكبر سناً يمكن مناقشة ما يجري معهم وإقناعهم بأنهم في مكان آمن، أو أن القصف لن يطالهم، وأن الأهل متخذين كافة الاحتياطات لحمايتهم، مع ضرورة عدم منعهم من البكاء أو السؤال عمَّا يجري والحديث عنه، فمن الضروري معرفة ما يدور في تفكير الطفل وأن نترك لمشاعره العنان في هذه الأوقات حتى لا تتراكم الصدمة.
ويمكن تشجيعهم على الحديث بمبادرة من الأب أو الأم للتعبير عن مشاعرهم مع اختيار الأسلوب والألفاظ التي يمكن للطفل استيعابها والتجاوب معها، ومن المهم أيضاً أن يراقب الآباء تصرفاتهم ويحاولوا المحافظة على الحالة الطبيعية لهم وقوة التحمل وتلطيف الأجواء ليبثوا الثقة في نفوسهم، وألا يتغير أسلوب الحياة بشكل كبير وبقدر المستطاع.