غسان الجمعة
إنَّ التاريخ هو علم يروي الحوادث ويعللها في تتابعها، وبنفس الوقت هو مصدر استنباط العبرة والحكمة، كما أنَّه الظل الخفي الذي يدعم قناعتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ويعزز هذا الماضي مبادئ وقيم هذا الأنسان ليعطيه مفاتيح المستقبل بشكل أو بآخر.
لم تكن الثورة السورية في سنواتها الست الماضية حديداً وناراً ودماً ودماراً فقط، بل كانت تحمل على صهوتها رسالة تغيير حضارية تستمد عراقتها من شعب أهدى العالم الأبجدية مرتين.
هي ثورة شعب أراد أن يعطي معناً جديداً لصناعة الحياة وعيشها في ظلِّ عالمٍ قاسٍ، تحولت كلُّ قيمه لكانتونات مادية معلبة قابلة لإعادة الاستهلاك فحسب، دون أن تكون قادرة على صناعة التغيير الذي ينشده الإنسان في هذه الحياة القصيرة.
هي صرخة في وجه المواطنة الاجتماعية والسياسية التي ألِفت السكون والجمود وآمنت بالثبات أساساً للاستمرار الذي ترغب به السلطة الاستبدادية، فحولته من متحرك إلى محرك نحو التغيير والتجديد والحرية.
ولعلَّ مبدأ الحرية التي عرَّفها أفلاطون بأنَّها تدور مع العلم وجوداً وعدماً هو أول ثمرة قطفتها البيئة الاجتماعية في المناطق المحررة التي كانت أساساً قامت عليه انتفاضة هذا الشعب، فمن حق هذه الثورة أن تسأل أبناءها عن ثمن تضحياتها وآلامها، فليست الحرية أن تتخلص من قيود احتلال أو استبداد طاغية، “بل هي حقيقةً محصلة لمعرفة الإنسان الحر بالمجال الذي يريد أن يكون فيه حراً”
فهل تمكنّا نحن كصحفيين أن نعطي هذه الثورة بمقدار الحرية الذي وفرته لنا؟ وهل تمكن المعلم والعسكري والسياسي وغيرهم من أن يمنحوها خبراتهم ومعرفتهم في ظلِّ الظروف التي منحتهم إياها؟
رغم القصف والقمع الذي يمارس علينا تبقى الخلافات والاقتتال السمة الأبرز للسنوات الست الماضية التي استثمرت فيها دماء الشهداء ومعاناة المعتقلين بشكل صُدِم فيه القريب قبل البعيد لتحقيق مآرب ومصالح مشاريع فصائلية وسياسية ضيقة ستقود الثورة للموت السريري إن استمرت بهذه الوتيرة.
إنَّ من حقِّ الإنسان أن يطور موروثه إن لم يجد فيه الديناميكية التي تحركه نحو هدفه، لذلك علينا أن نعيد بعد هذه السنوات النظر في الأسس والأفكار التي انطلقنا منها كشعب وليس كثورة أنهكتها الأنا والتسلق، وأوهنتها طعنات الغدر ممَّن يعتبرون أنفسهم حماتها.
لقد نجحت جماعات ومجموعات كنَّا نحتاج لمجهر حتى نرى مناطق نفوذها على الخريطة بتوسيع رقعة سيطرتها وإبراز مطالبها على الساحة الدولية والإقليميّة، من خلال ربط أيدولوجياتها بمصالح الدول الإقليمية، وتقديم خدماتها للدول ذات النفوذ العالمي، و احتوائها للمكونات والأطراف الأخرى عبر سياسة المصالح المتبادلة. في الوقت الذي كنَّا نحن نبحث فيه عن أعداء إضافيين يتمُّ إدراجهم على القائمة السوداء الخاصة بنا، وقد غاب عن عقلنا أنَّ الأهداف التي لا تأخذ باعتباراتها التفاهمات الدولية وتجهر باستعداء وتهديد محيطها هي أهداف لا ترقى لكونها أحلام يقظة.
بدأنا سنة سابعة اليوم، فهل سنكون أكثر وعياً؟ أم أنَّنا نتجهز لاستنساخ هزيمة جديدة؟