فرات الشامي |
لم تكد تخمد نار الحرب “الكونية” في سورية على نظام اﻷسد، حتى اشتعلت في “السودان”، بعد أن جاء رئيسها عمر البشير، مهنئاً نظيره “بشار اﻷسد” على قتل وتشريد السوريين، و”يا فرحة ما كملت!”.
وكما جرت العادة انقسم المحللون بين مرقعٍ ومهلل، فمن رؤيةٍ تفاؤليةٍ بتشكيل “عصرٍ جديد في السودان” إلى بروز نظرية “المؤامرة” التي دأبت اﻷنظمة العربية على بثها لتبرير قمعها لكل حراك سلمي ضدها.
ومع سقوطِ عددٍ من القتلى والمصابين خلال احتجاجات على غلاء المعيشة في السودان، تنحو الدولة نحو مسارٍ جديد، واﻻحتمالات مفتوحة على مزيدٍ من التنكيل في الشارع.
الملفت أنّ الرياح أتت بما ﻻ تشتهي سفن المُشير عُمر البشير، أو كما يصفه محللون سياسيون “رئيس نصف السودان” بعد زيارته بشار الأسد، الذي يوصف أيضاً بأنه “رئيس ثلاثة أخماس سورية”.
وإن لم يكن ثمة رابط يجمع التظاهرات والزيارة لكن الزيارة كانت “زر إشعالٍ” يأتي من خارج الحدود، لتحريك الماء الراكد. زد على ذلك أنّ الشعوب العربية تحركها “عواطف مشتركة”، مع ذات الدوافع السياسية.
كما أنّ أبناء السودان قرؤوا زيارة البشير للأسد بعدّها تأكيداً على شرعنة سياسة النظام السوري وقمعه لثورة السوريين، اللهم إن فهمنا أنّ الزيارة أتت غداة الكشف عن نوايا واشنطن على لسان المبعوث الأمريكي إلى سوريا جيمس جيفري، أنّ بلاده لا تسعى إلى التخلّص من بشّار الأسد، ولكنّها بالمقابل لن تموّل إعادة إعمار هذا البلد إذا لم يتغيّر نظامه تغييراً جوهرياً.
إذاً؛ القضية محسومة، وﻻ تتعلق بإقصاء اﻷسد وإزاحته عن المشهد السياسي، بل أخذت المسألة ملمحاً آخر يتعلق بإعادة اﻹعمار والتمويل، فماذا يضير البشير لو أقدم على تهنئة القاتل، وعمل على منهجه؟!… ﻻ شيء، فالمسألة منتهية.
بالمجمل؛ سوريا اﻷسد وسودان البشير، دولتان تجمعهما قواسم مشتركة عديدة، فالدولتان في عهدهما كانتا موحّدتين، حتى تقلصّت سيادتهما الوطنية على كامل التراب، لكن انتصار الرجلين على المؤامرة كان اﻷقوى بدلالة بقائهما على عروشهم، وسيطرتهما على الطرقات الواصلة بين المطار والقصر “قصر الشعب” حتماً، وهذا ما يعد إنجازاً في المفهوم العسكري لهما، وهي مدرسة جديدة في فقه التراب الوطني ووحدته، تذكرنا بمختار مسرحية ضيعة تشرين. والسودان الله حاميها.