بقلم سها عاصيكنت أحاول النوم، لكن كالعادة أجاهد صخب ذاكرتي من أرق الأيام الماضية، وفي الوقت نفسه أقلب احتياجات المنزل وأحاول أن أنتزع من على صدري بعض الهموم …سكون الليل يعكره صرير الحشرات لكنها تواسي وحدتنا، سكون قاطعته لمياء بتنهيدة ممزوجة بالأنين، إنَّه التعب من اللعب والحر عدتُ لأغفو بعد أن أفسحت للسكون مساحة تسلل بها ببطء إلى نفسي، وأسدل الستار على شريط الرؤيا أمام عيناي.ولكن هذه المرة أيقظتني مروحية الموت، غاضبة، تزمجر بمحركاتها، حاقدةً على سكان الأرض،تحمل لهم الموت الذي لا تطيق حمله، هممت إلى قبضة اللاسلكي وفتحتها “رتل من أربع سيارات ” هذا ما نقله الطيار لبرجه، وتخلله نصيحة المرصد بإطفاء الأنوار والدعاء بالسلامة.خرجت إلى شرفة منزلنا المطل على القرية الوادعة الآمنة، لا توجد مركبات، ولا أصوات، ولا يعكر صفوها سوى حقد الطغاة، وفجأة نزل غضب من السماء، صوت يريد أن يبتلع القرية، لقد تبين أنَّ الإرهاب هذه المرة كان بيت الأرملة الإرهابية أم محمود، والانغماسيون الأطفال ذهبوا غدراً لحمولة زائدة اضطر الطيار لتفريغها، ليعود بطلاً لأطفاله وزوجته، نظيف اليدين، ممشوق الهامة بنصر باهر.لمياء تطوق قدماي وتبكي، وعلا العويل والصراخ، أم محمود وأبناؤها جميعاً وصلوا إلى نهاية المطاف، لقد حصلوا على منزلهم الموعود غير الذي حدثتني عنه في جمعيات حلب الجديدة والذي دفعوا أقساطه من رغيف عيشهم.لمياء خسرت بنت أم محمود فقط، لأنَّ زينب ستراها في المنزل والمدرسة والطريق وعند شجرة التين.وأم محمود سعيدة لأنَّها سترى أبو محمود وستقابله، ولن يشتم منها رائحة البارود، لأنَّها تزينت له بشقائق النعمان.لم تعد تفكر أم محمود كيف سترسل أبناءها غداً إلى العمل في تركيا، جميعهم اختصروا الرحلة، واختصروا بعناية الله سنين طوال من هذه الرحلة.وبقينا نحن نعيش الموت مئات المرات كلما حام الموت فوق رؤوسنا، وكلما اقترب صوت القذيفة من منزلنا، وكلما سمعنا أزيز الرصاص فوق رؤوسنا، لنعرف أنَّه تخطانا.رأيتهم في منامي مبتسمين في بيت الركام لكن رأيته أبيض ولم تكن جدرانه المتفسخة محشوة بالقماش هذه المرةطبتم يا أهل الفرح