منذ سنوات… كنت أقيم وقتها في باريس… أمضيت وقتاً أخذني إلى ما قبل أكثر من خمسمئة سنة… إلى أحد الجراح العميقة في جسد الأمة… ذلك الوقت الذي غير مسار تاريخ أمتنا وحضارتنا إلى غير رجعة… وقت قرأتُ رواية “ثلاثية غرناطة”للكاتبة رضوى عاشور، قصة سقوط الأندلس مدينة وراء أخرى… مذبحة تلو أخرى… اسماً وراءه آخر… كيف بدأت معالم المدن تتغير… تتغير الهوية… تتغير الأسماء… يُسلخ الدين والعروبة… قطعة قطعة… حتى لا يبقى شيء غير الذكرى… والحسرة… والعالم العربي والإسلامي كان و مازال يتفرج… يتفجر في قلبي جرح جديد بجرح قديم… جرح فلسطين… ومدنها الذبيحة الأسيرة الجريحة… وقتها قلت في نفسي… ماهي تلك الأمة التي تسمح بتكرار هذه المآسي المفجعة؟؟ ونحن نراقب بصمتٍ عملية سلخ جزءٍ من جسدنا… قطعة وراء قطعة… لا شيء يحركنا… لا سقوط غرناطة حركنا… ولا سقوط القدس غيّر شيئاً فينا… ولا سقوط بغداد جعلنا نغير شيئا في حياتنا… نحن ما زلنا هنا!! ننام ونأكل ونصحو… يأكل بعضنا بعضاً… ويخون بعضنا بعضاً… يتخلى بعضنا عن بعض!! تتمزق قلوب… وتغلق دروب… وتباع أراضٍ مقدسة… ترابها التبر… هي أقدس من كل أرض في الدنيا… لأنها سقيت بما هو أثمن وأغلى عند الله من الكعبة… إنه الدم الطاهر… دم أطهر البشر… دم الشهداء… الرعيل الأول… النخبة… خيرة الله من خلقه…سقطت… غرناطة… سقطت القدس… سقطت بغداد… سقطت حمص… وسقط قلبي… سقطت قلوبنا… نحن… نحن من سقط… وهي ستبقى… سقطت تلك الأمة التي ما تزال تسفح الملايين على أقدام غانياتها… أما أطهر البشر فهم يباعون ويشترون ويخذلون حتى يأكلوا أوراق الأشجار …يا من موطئ قدمك بالدنيا بأسرها… يا من زفرةٌ من قلبك المحترق بكل كونهم العابث اللاهي… يا من لمحةٌ من عينك المتّقدة تحدياً وصموداً وتضحيةً وصبراً… ترمي بكل حيواتهم التافهة إلى مزبلة التاريخ… أيها الساروت… يا أبطال حمص… يا شهداء حمص… يا رعيل الثورة الأول… لا تسامحونا… لا تسامحونا… إننا نلد في كل يومٍ خذلاناً وضعفاً… لا تسامحينا يا تلال الأندلس… لا تسامحينا يا غرناطة… لا تسامحينا أيتها القدس… لا تسامحينا… يا حمــــــــــص… أيتها المدن الجريحة الذبيحة… لا تسامحي أمةً اغتسلت بعارها… غرقت بشنارها… وهي تتفرج عليك تُغتصبين… ولا يرف لها جفن… تنتظر اغتصاب الصبية التالية؟؟ ست الحسن وسيدة الحرية والكرامة؟؟ فأي كرامة بعد ذلك يبقى لنا؟؟؟ أمتي… يا أمتي… .متى تستيقظين لتنقذي طليعة شبابك الأبطال… الذين يتحدّون كل ظَلَمة التاريخ والجغرافيا… وكل جبروت القهر و الاستكانة والذل؟؟؟ منادين بالحق والخير والطهر والحرية لكل البشر. متى تفتحين ذراعيك وصدرك لتحتضنيهم… وتحميهم وتنصريهم؟؟ وحتى ذلك الحين… تابعي الفرجة على فتياتك وهنّ يُغتصبن… وصدقيني… وقتها… لن يقف الأمر عند الفرجة فقط… ستكونين أنت… الضحية التالية . إعداد التحقيق : شمس الهادي