غسان الجمعة |
دخلت صباح اليوم منطقة خفض التصعيد الأخيرة في هدنة أَعلن عنها الجانب الروسي كعادته منفرداً وبشكل مفاجئ دون أن يكون للمعارضة أو النظام عِلم بها، وذلك عقب قضم عشرات القرى والبلدات في أرياف إدلب وحماة، حيث ابتلعتها روسيا كما فعلت بمناطق خفض التصعيد كاملة عبر سياسة الأرض المحروقة.
إن سياسة هادن وانقض هي خطة موسكو للتقدم على الأرض من أجل إعادة ترتيب صفوف قواتها وتحقيق نوع من الهزيمة النفسية في صفوف المعارضة بإحياء الأمل بنوع من الاستقرار والهدوء المؤقت والعودة لقتله من جديد، ولتمتص أيضاً ردة فعل الصدمة لدى المعارضة التي غالباً ما ترد بضجيج دولي تمكنت موسكو من ترويضه وجعله عادة مقيتة تقتصر على التنديد والقلق الذي قل بحد ذاته رغم سذاجته.
الواقع أن موسكو تتعامل بمنظور عسكري ومجرد من أي أخلاق مع مناطق المعارضة، وهي بالنهاية عدو لا يقيم وزناً لقواعد الإنسانية، فكيف تحترم بدورها قواعد الدبلوماسية والقانون الدولي لتلتزم بتصريحاتها واتفاقياتها التي هي بالأساس فسرتها على هوى مصالحها ورغباتها؟! فالهدنة والمسارات التفاوضية والتصريحات اللينة بالنسبة إليها ليست سوى سلاح وسياج في الوقت نفسه للسيطرة على الحريق الذي تشعله لتتمكن من سلخ الحياة في أي منطقة والسيطرة عليها تطبيقاً للمثل الشعبي: (خربها وقعد على تلتها) أو عند تعثرها فإنها تحفظ ماء وجهها بالطرق الدبلوماسية وهو ما لم يحصل للآن.
غير أن المريب في الأمر هو انقسام السوريين في الشارع المعارض بين من هو مقتنع بالمسارات التفاوضية والسياسية وبالحجج الروسية والذرائع التي تنطلق منها عند مهاجمة المعارضة بشكل مطلق، وبين من هو رافض بالكليّة للعملية السياسية والتفاوضية وكل أشكال التفاهمات الاقليمية والدولية، وكلا التيارين يزدادان بعداً عن الآخر يوماً بعد يوم نتيجة لخلافات وجهات النظر وتطورات المسار السياسي والعسكري.
في الوقت نفسه نرى تراجعاً في صوابية رأي كلا الطرفين، فلا العملية السياسية أثمرت عن انفراجة لمسألة المعتقلين أو أوقفت حملات الروس والنظام على مناطق المعارضة، ولم تلتزم روسيا قطّ بتعهداتها لا بهدنة معلنة ولا بحل سياسي تسعى إليه كما تصرح دائماً في المحافل الدولية والإقليمية حول سورية.
ومن جانب آخر فإن الفشل واكب التعنت في أن الحل هو بالعمل العسكري الذي بالنهاية سيفرض الحل السياسي بشكل أو بآخر، وقد أدى ذلك لخدمة المخطط الروسي في مراحل عديدة ليبرر لنفسه وللمجتمع الدولي اجتياحه واعتداءه على مناطق المعارضة.
تبقى طاولة المفاوضات للبندقة بمنزلة الروح للجسد والعكس صحيح، ويبقى عنوان فشلنا المستمر هو انخراط دبلوماسيتنا في العملية السياسية بمعزل عن مسرح العمليات العسكرية، فاستطاعت روسيا تحويلها إلى مفاوضات للاستثمار السياسي وبازار للصفقات الإقليمية، فإن لم تكسب فهي لم تخسر، ونسخ آستانة وهدن لافروف ليست سوى استراحة محارب.
وبالمقابل تحولت البندقية بعيداً عن فن التفاوض والدبلوماسية في يد المعارضة إلى أسلحة خُلَّبية إن أصابت فهي لن تحقق أهدافها وإن أخطأت فهي تكشف نفسها لعدوها. فهل يستدرك الساسة والعسكريون أخطاءهم ويصححوا مسارهم قبل فوات الأوان؟ أم أن مشاريع الجماعات والمجموعات باتت عورتنا المألوفة؟