عبد العزيز العباس |
بعد أن أحدث (غابرييل غارسيا ماركيز) طريقةً جديدة في كتابة الرواية، أجبر أمريكا والغرب على منحه جائزة نوبل في الأدب عن روايته (مئة عام من العزلة) فالكاتب ماركيز هو مكتشف الواقعية السحرية في القرن العشرين المنصرم، أمّا في هذا القرن الجديد فيتصدر المشهد كاتبان عملاقان: الأول (دان براون) صاحب شيفرة دافنشي وملائكة وشياطين والجحيم، وروايات مشهورة جداً حققت أرباحًا وتحولت إلى أفلام، أمّا الآخر وهو (هوراكي موراكامي) الذي دخل عالم الرواية بالصدفة كما قال في لقاء تلفزيوني معه. وبعد اكتشاف هذه الظاهرة اليابانية من قبل الغرب تسابق القراء لالتهام كل ما كتب وما يكتب وما سيكتب هذا الروائي الذي وصفته صحيفة التربيان بقولها: “هو أعظم روائي حي على وجه الكرة الأرضية”
كيف استطاع هوراكي موراكامي في روايته التي تحمل اسم (كافكا على الشاطئ) رغم تجاوز عدد صفحاتها صفحة٦٠٠ جذب القارئ بأسلوب يشبه السحر وليس بسحر؟
في هذه الرواية ترى السماء تمطر سمكًا وعلقًا وحنكليسًا، إنها رواية رمزية فلسفية تتحدث عن أهم فكرة في هذه الحياة وهي فكرة (الوجود والقدر والمصير) ولكن بأسلوب سلس بسيط من خلال أحداث تسافر بنا إلى عوالم خفية وليست خفية في آنٍ واحد.
قد يكون هوراكي موراكامي ياباني المولد والنشأة، لكنّه في كتاباته يختلف عن الكتاب اليابانيين، وهو أيضًا يختلف عن الكتاب الغربيين، إنه مزيج جميل بين ستيفن كينج الكاتب الأمريكي وشعر الهايكو الياباني، فهو مزيج بين الثقافة اليابانية وبين ثقافة الغرب، يمثل بحق أدب ما بعد الحداثة.
كيف استطاع هوراكي موراكامي جعل عقدة أوديب وأسطورته قصةً حقيقيةً من لحمٍ ودم؟ السر يكمن في الأسلوب، يستولي هوراكي على القارئ من أول لحظة أو من أول كلمة ويجعلنا نصدق ما يحدث ونتعاطف معه.
على غرار أبطال دوستويفسكي في رواياته يمكن القول: إن أبطال هوراكي في روايته (كافكا على الشاطئ) أشخاص بسطاء تكمن أهميتهم في كونهم، (فكافكا) هو شاب في الخامسة عشرة من عمره، تشبه قصة حياته حياة أوديب الملك الذي قتل والده وتزوج أمّه، لكن هوراكي أضفى بعض التعديلات على شخصية كافكا تامورا.
الكثير من الأفكار طرحتها الرواية منها، على سبيل المثال لا الحصر، الوعي والحتمية والعبثية والروح وتركها الجسد، والضرورة والمجوفون أو الفارغون والحرية والمتاهة والزمن والفتى المدعو (كرو).
أسماك تتساقط من السماء وقطط تتحدث بلغة يفهمها فقط ناكاتا، وهنا تكمن روعة الرواية في شخصية هذا العجوز، فهو شخص تعرض لحادث في طفولته جعله يفقد الكثير من قدراته العقلية، لكنه استبدلها بقدرات أخرى مثل قدرة محادثة القطط والكلاب، لكن ما هو الرابط بين بطلي الرواية كافكا تامورا والعجوز ناكاتا اللذان تقاسما فصول الرواية حتى كادا أن يلتقيا قبل أن يموت ناكاتا بعد أن نجح في إيجاد حجر المدخل؟ الرابط هو ما جاء على لسان ناكاتا في كثير من المرات، وهو قوله: “أنا فارغ من الداخل” فكأنّ روح كافكا الشاب حلت في جسد ناكاتا وجعلته يقتل والد كافكا تامورا وهي لا تشبه فكرة تناسخ الأرواح أو الحلول أو التقمص؛ لأنّ هوراكي لا يجيب على الألغاز في نهاية الرواية كعادة الروايات، بل يجعلها أشبه بعقد لن نستطيع حلها.
مَثلُ دورة الحياة كمثل القدر، تمضي الأحداث إلى نهايات محتومة في اعتراف واضح من المؤلف بسيطرة القدر على كل ما يدور من حولنا.
ناكاتا الذي لا يعرف القراءة أو الكتابة يحلم بأنّه يقرأ في المكتبة الذي يقرأ بها كافكا وهي من مظاهر السريالية التي برع هوراكي في توظيفها.
رغم شهرة هذه الرواية لكنها ليست الرواية الوحيدة للمبدع هوراكي موراكامي الذي يقف الناس في اليابان طوابير لشراء رواياته التي تختلف عن الأدب الياباني، ما جعلها تسطع في سماء الأدب العالمي بلا منازع.